إن الأتراك قمعوا هذا الغرور، ومشوا إلى أصحابه يؤدبونهم. غير أن الأتراك ـ مع أنهم قاموا بدور عظيم ـ سرعان ما قلدوا العباسيين وغيرهم، فى الاستبداد السياسى، والاستعلاء الجنسى فى القرن الأخير من حياتهم، وهكذا رأينا القدرة على القيادة التى تبرز فى الرجال الأوائل، تتلاشى فى الأعقاب الوارثين. إن كل النقائص التى سبقت فى العباسيين والفاطميين تسللت إلى آل عثمان، وكأنما كتب على الدين الحق أن يبتلى بنفر من الأدعياء، يتسلمون زمامه، ويشغلون الناس بعنصرهم النبيل، وأمجادهم الموهومة..! وهنا يجئ سؤال لابد منه؟ ماذا كان العرب يفعلون بعد سقوط خلافتهم فى القرن السابع؟ إنهم يعلمون أن الإسلام لا يتعصب لجنس، وليس بمستغرب فى منطقه أن يقود المسلمين كفء يولد فى أى قارة، من أجل ذلك مشوا وراء القيادة التركية يوم وقع فى يدها اللواء، لكن الحكم الصحيح للعالم الإسلامى الرحب يستحيل أن يكون مبتوت الصلة بالعروبة، ليكن المسلم حبشيا كبلال، أو فارسيا كسلمان، أو روميا كصهيب، إن أولئك جميعا أصبحوا عربا بإلف العربية والحياة بها، وتذؤق كتابها وسنة نبيها.. ولو أن الترك اقتدوا بالسلطان محمد الفاتح، ونفذوا وصيته لخدموا الإسلام وخدموا أنفسهم فى آن واحد، إنهم أرادوا تخليد اللسان التركى، الذى لم ينزل به من بدء الخليقة وحى! وابتعدوا عن العربية، فلم ينالوا منها إلا نزرا يسيرا، وهذا نصاب من المعرفة لا يرشح لسيادة المسلمين أبدا.. وانضم إلى ذلك غرور بالقوة، أوحى إلى الترك أن يضفوا بالسلاح كل أرض إسلامية، ويفرضوا عليها سلطانهم... والحق أن علل الموت شرعت تنتشر ببطء فى الكيان الإسلامى كله، مرتقبة أى عارض من عوارض الضعف كى تستعجل له الفناء! أكان العرب قادرين على فعل شئ؟ أقول: كانوا قادرين على فعل الكثير لكنهم تقاعسوا..! من عيوب العرب ا لأولى حبهم للإمارة وتنازعهم على السلطة، وهناك مغارم مادية وأدبية فادحة تتبع هذه العاهة، وما


الصفحة التالية
Icon