ننكر أن البشر يطمحون إلى الرياسة والتصدر، فهل الحكم وحده هو الطريق للإصلاح! ص _١٢١
منذ مدة كان هناك ملك للحديد، وآخر للنحاس، وآخر للقصدير. إلخ وقد قدرت إنجلترا على حكم الهند بسلطانها التجارى. وتاريخ الاستعمار الإنجليزى فى هذه البلاد الشاسعة، ناطق بأن الإنجليز لم يسفكوا دماءهم عند الاستيلاء عليها، لقد فتلوا من لحى الهنود، القيود التى كبلوهم بها، وقادوا الجماهير بالتفوق التجارى أولا. ماذا على العرب وقد فقدوا السلطة السياسية، أن يمتلكوا السلطة العلمية، وأن يخدموا دينهم بالقلم واللسان، بالفكر والحضارة، بالتوعية والتربية، بالاستيلاء على الأفئدة والألباب، إذا كان الترك قد ملكوا مقاليد الأمر والنهى فى دواوين الحكومة؟ فلو فعلوا ذلك لكفلوا نقص الحكم العثمانى، ولنشروا لغتهم فى أرجاء البلقان، ولجعلوا من الثقافة العربية السناد الروحى والعلمى للدولة الحاكمة، ولاستفاد الإسلام ماديا ومعنويا فى آسيا وأوروبا وإفريقية على سواء.. يالله من أمراض النفوس!! إن شهوة الحكم تربو أحيانا على شهوة " الجنس " وقد رأيت فى بعض الناس شبقا إلى المناصب أشد من اتجاه المجنون إلى ليلاه!! هل الترك أبرياء من هذه االرذيلة؟ كلا، إن تاريخ "الباشوات " حافل بالمآسى، وقد دفع الإسلام ثمن هذه النقائص من حاضره ومستقبله، دفعه فى الداخل والخارج، فبعد سبعة قرون من هلاك الخليفة العباسى، كان هناك خليفة قزم من آل عثمان، يطرد من منصبه بكل احتقار... وانساب الصليبيون الجدد فى أقطار العالم الإسلامى الذاهل ! وتراقصت جيوش الاحتلال فوق الأرض الذليلة: (وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا * فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا) [الطلاق : ٨ ـ ٩] إن دراسة التاريخ ليست نافلة يتطوع بأدائها من يشاء، إنها ضرورة دينية واجتماعية تقوم بها الأمم الحية، ولو أن مؤسسة تجارية غفلت عن حساب الأرباح والخسائر،