وارتجلت أعمالها ذاهلة عن ماضيها وتجاربها لأغلقت أبوابها على عجل، وانسحبت من الأسواق لتكون ذكرى... ص _١٢٢
والوعى القاصر فى التاريخ السياسى للأمم لا يساويه إلا الوعى القاصر فى التاريخ العلمى والحضارى. والمسلمون لا يحتفظون بسجلات لتاريخ العلوم فى أرضهم، والذين برزوا فى البصريات والفلكيات والرياضيات والكيماويات لا يكاد يحفل بهم أحد! ربما سبقهم شاعر شاذ، أو مؤلف متن فى الوضوء والغسل..! وقد كان لركود ريح الثقافة وإقفار ميادينها أثر مدمر على أمتنا فى القرون الأخيرة، فإن سقوط السلطان التركى لا يشبه سقوط السلطان العباسى.. إن المسلمين يوم هاجمهم التتار كانوا أعلى ثقافة وأرفع مستوى من خصومهم الغالبين، ومن ثم لم يمض وقت كبير، حتى ذاب الغالب فى المغلوب، ودخل التتار فى الإسلام! أما أيام الدولة التركية، فإن العرب جمدوا فى أوضاعهم لم يخدموا أدبا ولا علما وتشبث الترك بلغتهم وعلمهم المحدود، فلما انهار العالم الإسلامى بقيادتهم، كان المسلمون فى القارات الثلاث هملا لا يصلحون لشيء.. وسرعان ما أحاط الغزاة بفلول المهزومين، يحولونهم فى أوروبا إلى أقليات مسلوبة السلطة والكرامة، وفى آسيا وإفريقية إلى قوميات يائسة مهينة، لا تعرف لها ولاء ولا انتماء. إن دراسة التاريخ ركن مهم فى تكوين العقل الإنسانى، وفى استبقاء الرسالات الكبيرة، وأحسب أن ا لأوان قد آن لنستفيق ونستبصر. أريد بعد هذه السطور أن أقول: إن الإسلام أعظم مواريث العالم، وإن كتابه الحصن الحصين للوحى الإلهى كله من بدء التاريخ إلى قيام الساعة :(ذلك الكتاب لا ريب فيه ) [البقرة : ٢] وإن أمته بولائها له وعملها به خير أمة أخرجت للناس، وإن هذا الدين خط مجراه فى أديم الأرض، وغالب الجنادل التى اعترضته، ومضى فى طريقه شديد البأس، ولا يزال موار العباب، قديرا على المضى إلى غايته... ص _١٢٣


الصفحة التالية
Icon