خلق الناس للبقاء فضلت أمة يحسبونهم للنفاد! إنما ينقلون من دار أعمال إلى دار شقوة أو رشاد! والبيتان من أجل قصائد المعرى، وأدلها على فلسفته، وأصدقها فى تصوير مشاعره وهى فى رثاء فقيه حنفى عابد زاهد بكاه المعرى بحرقة.. وقد نسب الملاحدة إلى المعرى قوله: ضحكنا، وكان الضحك منا سفاهة وحق لسكان البسيطة أن يبكوا تحكمنا الأيام حتى كأننا زجاج ولكن لا يعادله سبك إ! والمعرى لا يقول هذا اللغو، وإنما أشاعه عنه من يحبون تجريح العظماء، ويتلمسون للبراء العيب، وهم فى تاريخنا كثير.. فى كثير من الأحيان أترك وطنى إلى أقطار أخرى، تطول فيها الغربة، أو تقصر، ويشتد الحنين أو يخف، إننى خلال تلك الأسفار أرسم الخطط للعودة، وأعلم بيقين من أين جئت وإلى أين أعود ! أنظر إلى الفندق الذى نزلت به شاعرا بأننى عابر سبيل، وأن غرفتى سيحتلها أحد الناس بعدى، كما احتللتها أنا بعده! ولا ريب أن الشعور بالاستقرار الدائم بلاهة! كذلك نحن فى هذه الحياة الدنيا، إنها ممر لا مقر! وذلك ما جعل ابن القيم يقول للمؤمن الصالح: فحى على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم! وما ألهم الشاعر القديم أن يقول على لسان سكان المقابر: أيها الركب المجدون على الأرض المخبونا كما كنتم كذا كنا كما نحن تكونونا ! وقد أكثر القرآن الكريم الحديث عن الدار الآخرة، وحسابها الدقيق، ونعيمها المقيم، وعذابها الدائم، وأكد للبشر أن حياتهم فوق التراب فترة صغيرة، وأن استغراقهم فى الأحزان والأفراح خدعة كبيرة، وأن المسلك الوحيد الرشيد محو الإيمان بالله واليوم الآخر.. ص _١٢٧