وعندما كان الجدال المر يشتد بين الرسول ومعارضيه يتنزل عليه قول الله: (إنك ميت وإنهم ميتون * ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) [ الزمر : ٣٠ ـ ٣١] إن الجدال سوف يستأنف هناك بين خصمين اختصموا فى ربهم، ولكن فى استئنافه شقوة لقوم، وسعدا لآخرين! إن معارك القلم لها اليوم ضجيج يشبه قعقعة السلاح فى المعارك الساخنة، وقد رأيت صحفا وكتبا تمتلىء بالسواد والإفك على الله ورسله، وأحسب أن الموقف الحاشد لسوف يجمع هؤلاء ومعارضيهم فى ساعة فاصلة، لماذا يفعل ربنا ذلك؟ (ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين) [النحل : ٣٩] هل يحتاج ذلك الجمع إلى جهد؟ لا (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) [النحل : ٤٠] إن خط الحياة مطرد مستمر، والإحساس بأن الموت عدم إحساس كاذب! وأغلب الناس لا يتخذ الأهبة للقاء الله، بل ينساق وراء مآربه بطيش ويحتجب داخلها فلا يبصر أى عقبى: (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه * يسأل أيان يوم القيامة) [القيامة ٥ ـ٦] من أجل ذلك تكرر ذكر البعث والجزاء فى كتاب الله، لا تكاد تخلو منه سورة. وفى السورة الأولى من القرآن الكريم حمد لله رب العالمين المالك ليوم الدين، أى يوم الجزاء، وهى سورة يقرؤها المسلم عشرات المرات كل يوم.. وعكس هذا الذكر المتصل نجد أسفار موسى الخمسة التى تتصدر العهد القديم وتسمى التوراة، إنها خالية من أى ذكر للبعث والجزاء، خالية من أى ترغيب فى الجنة أو ترهيب من النار، كأن مؤلف كتاب " رأس المال " هو الذى وضع هذه التوراة! وعجيب أن يخلو دين من التنبيه إلى لقاء الله، وأن يضرب صفحا عن ذكر الدار الآخرة! وهذا الإغفال كان له أثره فى إخلاد اليهود إلى الأرض، وفى صياغة تفكيرهم المادى، وفى اعتبار جنتهم ونارهم فى هذه الحياة وحدها! ص _١٢٨