١٨ـ١٩] ص _١٣٠
وذلك ما عناه الشاعر العاقل عندما قال: لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التى كان قبل الموت يبنيها! أخلاق طلاب الاخرة: وبناء الآخرة يتطلب أخلاقا معينة! فمن استحلى أخذ رشوة، أو غصب حق، أو أكل حرام فلن يجد إلا منقلبا شئوما وفى الحديث " أيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به " وقد وجدت أن مسا أصاب جماهير من الناس، فانطلقوا يركضون فى ساحات الدنيا ركض الوحوش، لا يقع فى مخالبهم شىء إلا ابتلعوه، فهم لصوص مال وجاه، وهم يلتهمون ما يعرض لهم دون تهيب لحرام أو ابتغاء لحلال، ما يفرقهم شىء عن وحوش الغاب! إن هؤلاء لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ويستحيل أن يتغير سلوكهم إلا بإيمان صحيح. أما الموقنون بالآخرة فلهم سيرة أخرى، إنهم يتقون الشبهات استبراء لدينهم وعرضهم، ويكترثون بالآخرة أشذ من اكتراث غيرهم بالدنيا، وهم يفهمون بعمق قوله تعالى: (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) [العنكبوت : ٦٤] قال ابن إسحاق يصف المسلمين فى غزوة أحد: " كان أبو دجانة رجلا شجاعا، يختال عند الحرب، وكانت له عصابة حمراء، إذا اعتصب بها علم أنه سيقاتل حتى الموت ".. كيف يختال رجل وهو يستعد للقاء عدوه، ويتوقع الموت فى هذا اللقاء؟ لقد استخفت فى نفسه مشاعر الرهبة كلها، ولم ير فى الموت إلا نقلة ترفعه إلى عليين!! فليتبختر فوق الثرى فربما وثب منه إلى الفردوس الأعلى فى ساعة استشهاد! وقد كان سلفنا مضرب المثل فى حرصه على الآخرة وجراءته على الحتوف! ص _١٣١