أما الخلوف التى تزحم الأرض لنا فلهم مثل السوء فى حب الدنيا وكراهية الموت.. والشائع بيننا أن للدنيا أعمالا كالأحتراف، وتناول الطعام، وأن للآخرة أعمالا كالصلاة وتلاوة القرآن، وأن لهذه أوقاتا ولتلك أوقاتا أخرى! وهذا التقسيم موضع نظر، بل هو عند التحقيق، تقسيم صورى لا يؤبه له، فمجرى الحياة واحد وزمانها واحد! والصلاح والطلاح يعودان إلى حركة القلب ووجهته، فمن طعم ليقوى على طاعة الله فهو صالح، ومن صلى ليكسب بين الناس مكانة فهو طالح، ولا قيمة للظواهر والعناوين! إنما القيمة لاتجاه الحياة والمحور الذى تدور عليه. ونحن نأخذ بعموم قوله تعالى: (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون) [الأنعام : ٤٨ـ٤٩] وقد جاء فى الصحاح أن أول من تسعر بهم النار ناس مراءون بالصلاة والقراءة والجهاد، كما جاء أن إحسان العلاقة الزوجية لون من القربى إلى الله... إن الذى يجعل حياته لله ونشاطه لله ووجهته إلى الله، ويحتشد للقائه بمشاعره وقواه، وملكاته هو الذى ينجو.. إن التفريق بين شئون الدنيا وشئون الآخرة مع إطراح حركة القلب كان من وراء التخلف الشائن الذى أزرى بأمتنا وأعجزها عن نشر رسالتها، بل عن نصرتها فى د ا رها... وعندما يوازن القرآن الكريم بين الدنيا والآخرة، فهو يعنى الدنيا المقطوعة عن الله، ولو راءت باسمه، وتاجرت بدينه، إن قصور المعرفة، وقسوة القلب، سوء القصد أمراض تفتك بالعبادات، وتمنعها من الصعود الى السماء... وربما كان إثم البعيدين عن الله واقعا على من لم يوصلوا القول، ولم يقوموا بعبء البلاغ. وفى القرآن الكريم تهديد لأهل الكتاب كلهم، وبينهم المسلمون، إذا لم يتقوا الله، وتدبر قوله تعالى :(ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات