وعلماؤنا مجمعون على أن ثواب الآخرة وعقابها ماديان وروحيان، وهناك حشود من الآيات والأحاديث تؤكد ذلك. وقد يخطىء بعض الرجال الطيبين فينظر إلى نفسه وأحواله ثم يصدر حكما عاما غامضا فى شئون الناس، وذاك لا ينبغى! نحن نعلم أن عيسى ويحيى لم يتزوجا لكن كلا الرسولين لم يشن حربا على الزواج، ولم يسن مسالك الرهبانية المستوحشة لأنهما لم يبعثا لدمار الحياة! وعدم زواجهما هو لظروف تخصهما وحدهما.. وقد عاش ابن تيمية عزبا، وكذلك عاش جمال الدين الأفغانى، ولم يؤثر عن أحدهما أنه دعا إلى عزوبة! وهناك نباتيون يكتفون فى غذائهم بما يخرج من الأرض، أعرف منهم العلامة محمد فريد وجدى، لتكن هذه طبيعته! فليس أكل اللحم فريضة دينية.. بيد أننا نعترض هذه الطبيعة إذا حاول صاحبها جعلها دينا، وقد ارتكب أبو العلاء المعرى هذه السخافة عندما قال: غدوت مريض الدين والعقل فالقنى لتعرف أنباء الأمور الصحائح! ومضى فى قصيدته يحرم لحوم الأنعام والطير، بل لقد حرم عسل النحل، فما جمعته كى يكون لغيرها!! إلخ. ومن هذا القبيل ما يجرى على ألسنة بعض الأدباء اليوم من أن الجنة ليست "سوق خضار"! يرمى بذلك إلى إنكار الجزاء المادى وتهوين شأنه!! وهذا فكر شاع فى جنوب آسيا، وربما روج له فلاسفة يونانيون متهم بعضهم بالشذوذ! وقد تأثر به ناس فى تاريخنا القريب والبعيد، وعدوه تساميا، وهو جهل كبير! إن أنس بن النضر كان يرى ربه، ويرى جزاءه الموعود، عندما استنكر موقف المنهزمين فى أحد، وأقبل وحده يقاتل المشركين، ويتحمل بجلد عض السيوف فى جلده، وهو يصيح: إنى أشم ريح الجنة من وراء أحد! ص _١٤٤