إن أهل الجنة يحلو فى مذاقهم ترديد الباقيات الصالحات فهم يهتفون بها عن حب ورغبة، ولعلها وسمت بالبقاء والصلاح لأنها تعلو على الفناء، وكيف تفنى هذه الشعارات، سبحان آلله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؟ كانت فى الدنيا قواعد السلوك المؤمن، ثم أضحت فى الآخرة شارة أهل النعيم! ماذا فعل غيرهم؟ استرخى فحجب. وقد قيل: الأحجار فى طريق الكسالى عوائق، وفى طريق الناشطين سلالم، الأولون ينكصون؟ والآخرون يصعدون! ومن ثم قيل فى وصف الجزاء المعد للمقربين (جزاء بما كانوا يعملون) والكريم إذا وفد عليه ضيوف أكرم نزلهم، وأجزل عطاءهم فأين كان أهل الجنة ينزلون بعد عودتهم إلى الله؟ إن أقل ما يقدم لهم هو أعلى وأغلى ما كان ملوك الأرض يتمتعون به! ونحن نعلم أن فى الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ونعلم أن الأسماء التى تطلق على ما فى الجنة هى عناوين تقريبية، وأن ذكرها ضرب من التشويق للعاملين فى الدنيا، والأمر فوق ما نتصور! المهم أن أهل الجنتين- مع ما يتقلبون فيه من نعماء- ليسوا أهل بطالة وخمول، إنهم يلهمون الذكر والشكر، ولا ريب أنهم سعداء بتكريم الله لهم، ولكنهم أسعد بما أتيح لهم من تحية الله ليلا ونهارا، ومناجاته سرا وجهرا.. ونشرح الان بعض الكلمات التى لا نألفها، والتى وردت فى وصف الجنان. (على سرر موضونة) [الواقعة : ١٥] أى مضفورة من المعادن النفيسة (متكئين عليها متقابلين) [الواقعة : ١٦] أى لهم مجالس مؤنسة يواجه بعضهم بعضا فيها (يطوف عليهم ولدان مخلدون) [الواقعة : ١٧] تخدمهم فتية يبقون ما حيوا فى سن الشباب! وللقوم مشارب كثيرة من الماء واللبن والعسل والخمر، ولكمن الخمر التى يشربونها فى الآخرة، لا تصيبهم بصداع ولا دوار، وهذا معنى (لا يصدعون عنها ولا ينزفون) [الواقعة : ١٩] والنزف الهذيان واختلاط العقل، وهو معروف بين السكارى.. ص _١٤٨


الصفحة التالية
Icon