وتنزلا مع هذا الفكر يقول الله فى آية أخرى (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) وليس عند الله سهل وصعب وهين وأهون، ولذلك أتبع هذا التنزل بقوله (.. وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) [الروم : ٢٧]. وقد تكرر هذا الدليل فى سور كثيرة وهو بديهى لا يرده إلا مكابر بليد! (وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا * قل كونوا حجارة أو حديدا * أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة) [الإسراء : ٤٩ـ ص ] والقرآن الكريم يلح فى طلب النظر، واستقصاء الفكر فى هذا الوجود لمعرفة البدء والعودة! إننا موجودون يقينا، فكيف وجدنا؟ المتأمل فى النشأة الأولى يدرك سهولة النشأة الآخرة، ويرى استبعادها حماقة! (أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير * قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير * يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون) [العنكبوت : ١٩ـ٢١]. وقد لُخصت هذه المعانى كلها فى آية قصيرة (نحن خلقناكم فلولا تصدقون) [الواقعة : ٥٧]. الدليل الثانى: إن الذى خلق العالم لأول! مرة لم يبذل فيه جهده ويستنفذ قدرته! إنه كل يوم، بل كل ساعة، بل فى كل طرفة عين يتجدد خلقه! ويبدو ذلك فى تخلق البشر، واستقبال ذريات جديدة باستمرار.. ويتقرر هذا الدليل فى قوله تعالى (أفرأيتم ما تمنون * أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون * نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين * على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون) [الواقعة : ٥٨ـ٦١] والمنى سائل عجيب! فهذا الماء المهين- فى منطق القادر الأعلى- تحمل الدفقة الواحدة منه مائتى مليون حيوان منوى، وهذا الحيوان الذى لا يرى لضآلته يحمل فى كيانه كل خصائص النوع الإنسانى المادية والمعنوية. ذلك معروف من قديم ففى قصة الملاعنة التى وردت بسورة النور يقول الرسول ص _١٥٢


الصفحة التالية
Icon