النوم.. والحضارة الإسلامية تنهض على هذا اللون من الإيمان الذى يجعل الله غاية كل سعى وباعث كل حركة، فلا عجب إذا كان شعارها فى السلام والقتال.. الله أكبر! والبون هائل البعد، بين هذه الحضارة الربانية، وبين الحضارة المعاصرة، التى تصف نفسها بأنها إنسانية، إن الإنسانية صفة شريفة، ولكن علاقتها بالله هى التى تصونها، وتمنعها من ا لانحدار إلى درك الأنانية، والعكوف على المآرب الدنيا! أما الربانية فهى إنسانية عرفت حقيقتها ووظيفتها، وتحركت فى نطاق الحق والخير! وأساس الكمال، عقيدة صحيحة! فإذا كان المعتقد باطلا، كان البنيان على شفا جرف هار! والاعتقاد الصادق، إن لم يدفع إلى التسامى، ويتطلع إلى الطهر، فلا خير فيه. ومن ثم كان الإسلام فى منهاجه التربوى، بعيدا عن الخرافة؟ لأنه قائم على الصدق العقلى! بعيدا عن الظلام ؛ لأنه يسعى نحو النور (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا * فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما) [النساء : ١٧٤ـ١٧٥]. البرهان مسار العقل، والنور مسار السلوك... وعندما نتدبر رسالة ا لإنسان، كما وصفها القرآن الكريم، نعرف درجة الرفعة المنشودة له... إن الله لم ينفخ من روحه فى الكيان الآدمى، ليكون الإنسان سبعا ضاريا، بل ليرشحه لمكان كريم. قد رشحوك لأمر، لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل.. وبهذه النفخة العليا استحق أن يقال فى شأنه: (إني جاعل في الأرض خليفة) [البقرة : ٣٠]. والخطأ العارض للإنسان لا يهدم مكانته، إلا إذا صحبه الإصرار والإسفاف، أما ا لإلمام العابر، فإن دائرة الغفران الواسع، تحيط به، وتمحو أثره.. ص _١٥٩