والعبادة التى خلق من أجلها الإنسان، يجب أن تفهم على وجهها الصحيح! كان الرقيق قديما يكدحون لسادتهم، ويعودون عليهم بثمار لغوبهم، أما رلت العالمين فلا ينتظر من عباده نائلا، إنه هو الذى يطعمهم ويسقيهم! كل ما كلفهم به أن يعرفوا وضعهم منه على حقيقته، فيجعلوا ولاءهم له، وانتماءهم إليه، ويشاركوا الملأ الأعلى فى تسبيحه وتحميده، فلا يليق أن يأكلوا خيره ويعبدوا غيره، ولا يليق أن يطلبوا من عباد مثلهم ما لا يقدر عليه إلا هو، ولا يجوز إذا غلطوا معه ألا يعتذروا إليه. أهذه واجبات ثقيلة؟ ما يستثقلها إلا قليل الحياء! وهذا معنى الآيات (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) [الذاريات : ٥٦ـ٥٨]. وتكمل معرفة رسالة الإنسان فى الأرض بمعرفة الحكمة الثالثة من خلقه؟! (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب) [هود : ٦١]. وقد شرحنا فى صدر هذا البحث أن تعمير الأرض يحتاج إلى ملكات نضيرة، وذكاء حاد، ونشاط دءوب، وعلوم تستكشف القوى والأسرار المخبوءة، وأيد مقتدرة تثير الأرض وتحسن ارتفاقها لمصالحها الخاصة، كما تحسن تطويعها لنصرة عقائدهما و مبادئها. وإننى لأشعر بالعار حين أرى شعوبا تنتسب إلى الإسلام قد ذبلت مواهبها، وشلت سواعدها وعاشت على ظهر الأرض ثعالب تأكل من فضلات الأسود، وترنو إلى ما بأيدى الآخرين بعينى عاجز مشدوه، أو متسول فقير! هؤلاء الناس لم يعرفوا رسالة الإنسان فى الحياة كما شرحها الإسلام، ولم يعرفوا مطالب الجهاد لحماية الحق، فهانوا وهان الحق بهم... والتربية الصحيحة تقوم على وعى عام بغايات الوجود، ثم على وعى مفصل بمعالم الكمال التى أسهب الدين فى شرحها، واستفاضت أنباؤها فى الكتاب والسنة... ص _١٦٠