وقبل الخوض فى هذا التفصيل نذكر أن علماء النفس ذكروا مظاهر الشعور الثلاثة، وأوضحوا ما بينها من ترابط. فهناك الإدراك العلمى، تتبعه الصبغة الوجدانية، يتبعهما النزوع السلوكى... فاستنارة العقل ! تعقب عادة أثرا فى الفؤاد، ثم يجئ العمل والانبعاث إليه نتيجة لازمة... والذين يعرفون ربهم، لابد أن يخضعوا له، وميادين الخضوع ذات شعب، تتفرع فى الحياة، كما تتفرع العروق فى أنحاء الجسم.. على أن الأمور لا تمضى بهذه السهولة عند التطبيق! وكثيرا ما تبرز عوائق تفك الارتباط بين العلم والعمل والرغبة والتنفيذ. ومن هنا كانت التربية الناجحة مهمة شاقة، وكانت صناعة الإنسان من أعقد الصناعات فى هذه الدنيا.. لكن ما منها بد، وإلا تركنا الإنسان ينحدر إلى درك بعيد القاع وتركنا الأمة الإسلامية خاصة تنسى رسالتها، وتجهل الحق الذى آتاها الله، وتكون مصدر فتنة عمياء فى الأرض كما هو واقع الآن! إيمان عقيم وكفر متحرك! إسلام مهيض الجناح وإلحاد حاد السلاح! ادعاء للتقوى، يشينه الغباء، ونسيان الله، يصحبه تفوق علمى فى البر والبحر والجو!! ولنترك العويل ونبدأ السعى، لقد ذكرنا الحكمة من الوجود كما سجلها كتابنا.. لكن الكلام المجمل لا يغنى عن البيان، فلنأخذ بيد أمتنا بالأسلوب الذى أنسناه فى ديننا مبتعدين عن المصطلحات الفنية المحدثة.. ما يحبه الله وما لا يحبه: وأول ما نقف عنده من معانى التربية عبارة " الله يحب، والله لا يحب " فإذا كنا مؤمنين بالله راغبين فى مرضاته أسرعنا إلى فعل ما يحب وترك ما يكره.. وسنلاحظ عند السرد أن ما يحب الله وما لا يحب ينصب على أمور تتسم بالعموم، وأن الإنسان عندما يستصحبها يحقق زكاة نفسه، ورفعة جنسه فى آفاق الحياة كلها، فليس الأمر عبادة داخل مسجد، بل عبادة فى كل مكان.. ص _١٦١


الصفحة التالية
Icon