(إن الله يأمر بالعدل والإحسان) [النحل : ٩٠] إشارة إلى الفضل مع العدل. فالعدالة لابد منها لضبط الأمور وإنصاف الناس بعضهم من بعض. أخرج ابن أبى حاتم عن محمد بن كعب القرظى أنه قال: دعانى عمر بن عبد العزيز فقال لى: صف العدل، فقلت: بخ، سألت عن أمر جسيم، كن لصغير الناس أبا، ولكبيرهم ابنا، وللمثل أخا وللنساء كذلك! وعاقب الناس على قدر ذنوبهم، ولا تضربن فى غضبك سوطا وأحدا فتكون من العادين.. ذاك وصف العدل أما الفضل فله سيرة أخرى لعل أقربها ما جاء عن على بن أبى طالب أن النبى ـ ﷺ ـ قال له: " ألا أدلك على أكرم أخلاق الدنيا والآخرة؟ أن تصل من قطعك، وتعطى من حرمك، وأن تعفو عمن ظلمك ". وذاك هو الإحسان، ولعله المقصود من الآية الأخرى: (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) [آل عمران : ١٣٤]. وكظم الغيظ مرتبة عالية، وقد يكون من أسرار الغضب والخصومة،. والمرتبة الأعلى هى العفو مع القدرة، وتلك درجة الإحسان! وقوله تعالى: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) [البقرة : ١٩٥]، يذكر معنى آخر للإحسان، فالأمم لا تخدم رسالتها بالبخل وكراهية الإنفاق فى سبيل الله، والحروب قديما وحديثا تتطلب مالا كثيرا، وقد بلغت الضرائب على الدخول فى الحرب العالمية الثانية تسعة أعشار ما يكسب الإنسان! والحرب الذرية تستهلك قناطير مقنطرة من الذهب والفضة فى إعداد القذائف وإحسان توجيهها وتدريب الجنود والشعوب على مواجهتها وتحمل آثارها. والعرب وجمهور المسلمين مكلفون بمعرفة هذه الحقائق، ولن يسلم لهم دينهم وتبقى لهم بلادهم إلا إذا توسعوا فى الإنفاق الحربى، وأحسنوا تهيئة كل شئ لكسب المعركة... ويشهد لذلك ما جاء فى آيات أخرى عن حقيقة الإحسان ودائرته الرحبة، فهى ص _١٦٧


الصفحة التالية
Icon