ثلاثين قرنا، وهؤلاء الرجال الكبار، ليس لهم من الأمر شئ، وإذا كان لهم فى التاريخ قدر، فلأنهم عبيد أخلصوا لربهم، وتفانوا فى مرضاته.. أما ذرات أبدانهم فهى كبقية أجزاء الكون خاضعة لله، هاتفة بمجده (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ). إن وحدانية الله حقيقة أزلية أبدية، وكذلك افتقار العالم إليه، العالم أجمع من العرش إلى الفرش! لا قوة إلا بالله، ولا مشيئة إلا ما شاء، لا يمارى فى ذلك إلا جهول (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء ). وهذا الكثير الذى حق عليه العذاب، هو الذى جحد الله، أو جعل له من عباده جزءا. أى جزء؟ وكيف يرتفع المخلوق إلى مستوى الخالق؟ أو كيف يسوى بين الموجد ومن أوجده؟ إن كتاب محمد ـ ﷺ ـ هو الذى شرح هذه الحقيقة أوفى شرح، ومنه عرفنا أن الإسلام المطلوب من البشر، هو تجاوب مع الإسلام الشائع فى الكون كله (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون ). إن آفاق السماء وفجاج الأرض، تسبح بحمد ربها، فلماذا نشذ نحن ولا نصطبغ بما اصطبغ به الكون كله؟ إن العصيان اختراق لقاعدة عامة، أو هو نغمة فاجرة، بين أنغام ظاهرة، ترنو إلى البارئ الأعلى فى استكانة وتفان وإعظام ( ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون * ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير ). وإسلام الوجه لله، يصفو، أو يكدر، على حسب ضيق المعرفة، أو سعتها، وقد تعرف الله إلى عباده بأسمائه الحسنى، وهى أسماء كاشفة لصفات الكمال التى تقترن بذاته وهى تنتشر فى طول القرآن وعرضه على نحو مثير. ص _٠٣٠