وقد يتقعر البعض ويقول: ما تم شىء إلا بإذنه! ولكى نجيب على هذه الشبهة نقول: إن المجرم قد يذهب إلى حقل قمح، ناضج السنابل، حافلا بالخير، فيشعل النار فيه، فإذا قبض عليه يقول: ما كانت النار لتشتعل لولا " الأوكسيجين " الذى خلقه الله فى الهواء! ولو خلا الجو من هذا العنصر ما احترق الحقل، فالله هو المسئول عن جريمتى، إذ بإذنه تمت! إن إرادة الله مبثوثة فى كل شئ، ولو قهرتنا على عمل ما حوسبنا، إننا نحاسب على ما قدمت أيدينا، ولن نستطيع ـ فى هذه العجالة ـ شرح العلاقة بين إرادة الله المحيطة، وبين الحرية المتاحة لنا فى الاتجاه إلى اليمين أو الشمال... وتصيد الشبهات للفرار من المسئولية لا يجدى.. وكل أثر مروى يشغب على حرية الإرادة البشرية فى صنع المستقبل الأخروى يجب ألا نلتفت إليه، فحقائق الدين الثابتة بالعقل والنقل لا يهدها حديث واهى السند أو معلول المتن. لكننا مهما نوهنا بالإرادة الإنسانية فلا ننسى أننا داخل سفينة يتقاذفها بحر الحياة بين مد وجزر، وصعود وهبوط، والسفينة تحكمها الأمواج، ولا تحكم الأمواج.. ويعنى هذا أن نلزم موقفا محددا، بإزاء الأوضاع المتغيرة التى تمر بنا. هذا الموقف من صنعنا وبه نحاسب! أما الأوضاع التى تكتنفنا، فليست من صنعنا، ومنها يكون الاختبار الذى يبت فى مصيرنا..! إن جراثيم الأمراض تملأ الجو، ولو أن كل عدوى تصيب لهلك البشر! فما جهاز المناعة الكامن فى أجسامنا؟ وكيف يحمى؟ وكيف يفشل؟ والصبغات المورثة للخصائص المادية والنفسية والفكرية، ما نصيبنا منها؟ إن ذلك ليس إلينا، وإن حدد المجال الذى يتم فيه اختبارنا! إن الفلاح يرمى فى التراب حفنات من البذور، قد ترتد إليه قناطير مقنطرة، وقد تعود عطاء محدودا، وقد تذهب سدى! وجهود الناس فى الدنيا تتبع هذا المسار.. ص _٠٣٩


الصفحة التالية
Icon