نقول: صحيح أن سعى الإنسان باطل؟ فلماذا يقول الله تعالى عن يوم الحساب: (إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ) ولماذا يقول :(وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى)؟ إن الله تبارك وتعالى يطلب من الإنسان أن ينصف نفسه من نفسه! وأن يعترف بأنه أخطأ حيث ينبغى أن يصيب، وأساء حيث يستطيع أن يحسن، ولذلك يقول له: (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ). فهل يقال له ذلك وهو مجبور مسكين؟ أم يقال له ذلك وهو حر مختار؟ إن ظواهر الجبر فى هذه الآثار كلها مرفوضة عند علماء الإسلام، وأمامنا أمران لا ثالث لهما: إما صرف هذه الظواهر إلى تأويل قريب مقبول! وإما اعتبارها آثارا بها علة قادحة تسقطها عن درجة الصحة، فإيرادها فى مجال التربية والتعليم لا يجوز. وقد استطعت بشيء من التناول العقلى أن أصرف شبهة الجبر عن آثار شتى لكنى لم أستطع إصلاح عقول تريد أن تسوق الإسلام كله إلى أحاديث غير واضحة، تظهر عليها العلل القادحة. يقول الله سبحانه فى الأمم التى حكم عليها بالهلاك :(وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون * ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى…). الله يعاقب مقترفى السيئات بالسوءى، فهذا عدله، ولو شاء عفا فهذا حقه. ولكنه لا يظلم مثقال ذرة... ومن العجب أن ننسب إليه الجبر ثم نقول لا يسأل عما يفعل! إن الذين يخطئون فى الفهم، ويجورون فى الحكم، لا ينبغى أن يسقطوا عوجهم الفكرى على دين الله... ص _٠٤٦


الصفحة التالية
Icon