والذهول عن الكون سقوط إنسانى ذريع، وحجاب عن الله غليظ، وفشل فى أداء رسالتنا التى خلقنا من أجلها، وعجز عن التجاوب مع وصايا القرآن التى تكررت فى عشرات السور!! (إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين * وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون * واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون * تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ). وهذه الآيات قل من كثر مما نزل بمكة، وتأكد بالمدينة، لإيقاظ العقول النائمة، وتبصرتها بالدلائل المبثوثة فئ كل شئ تدل على الله، وتشرح أوصافه الجليلة... إن التفكير فريضة إسلامية كما قال العقاد، والمجال الأول للفكر مادة هذا الكون، كما أبان القرآن الكريم، وإن عجبنا لا ينقضى من تلكؤ الفكر فى هذه السبيل. وأعتقد أن الآفة التى أصابتنا، وأزرت بنا، جاءت من تأثرنا بالفلسفة اليونانية، وجرينا وراء خيالاتها، وأوهامها، بدءا من عصر الترجمة، إلى عصر الانحطاط العربى الأخير.. إن أرسطو وغيره يرون أن المادة حقيرة وأن المحسوسات نازلة الرتبة، وإله أرسطو أكبر درجة من أن يفكر فى الكون، أو أن يحيط علمه " الشريف " بجزئياته!! إنه إله يتأمل فى ذاته، ولا يدرى ما يقع فى دنيا الناس! ولو درى لعلم أن ما يجرى فى الأرض أثر لما ينشأ فى السماء، فالمد والجزر من دوران القمر حول الأرض، والحر والبرد، واستطالة الظلال وانكماشها، من دوران ا لأرض حول نفسها، وحول الشمس، وتماسك النجوم فى مداراتها نظام محبوك الصميم والأطراف عبروا عنه بقانون الجاذبية. وإذا كان أرسطو قد تصور الألوهية على نحو قاصر معيب، فإن الحق جل اسمه كشف عن علمه الشامل بالكون كله ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ). ص _٠٥٣


الصفحة التالية
Icon