إن القضية ليست قضية علم مجرد ونظرة سلبية، إنها قضية إيجاد وإمداد، كما ذكرنا آنفا، وفى كل طرفة عين أو أقل، تصدر ألوف مؤلفة من الكلمات التى تحكم الوجود وتسيره وتوجهه وفق المشيئة العليا ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ). ونخلص من ذلك إلى أن الذهول عن الكون ودراسته، باب إلى الجهل والضلال، وأن الإسلام يبنى المعرفة على البصر العميق بالكون، والبحث المستمر فيه، وأن انطلاق العلم بعيدا عن هذا المجرى، انحراف إغريقى وليس نهجا إسلاميا، وأن الذين مالوا مع هذا الانحراف أضروا الإسلام ورسالته. وقد كتبت فى مكان آخر أعيب على نفر من المسلمين الأوائل انخداعهم بفلسفة اليونان، وعكوفهم على ترجمتها، وشغل الجماهير بما فيها من خير قليل، وشر كثير!! كما عبت على هؤلاء النفر أنهم لم يكلفوا أنفسهم بترجمة الفلسفة القرآنية، فى المعرفة والأخلاق والمعاملات، وقبل ذلك فى شرح الوحدانية الرفيعة، التى جاء بها القرآن العزيز. إن هذا التقصير ضر عالمية الرسالة الخاتمة، وعكر تيار الفكر عندنا. ولنذكر فى صراحة أن وثبات العلم الحديث إنما تمت مع إدمان النظر فى الكون، والاغتراف من الأسرار، والقوى المودعة فيه ـ وهذا هو نهج القرآن الواضح من آيات النظر الكثيرة ـ ولكن فقر الحضارة الحديثة فى القيم الرفيعة وإفلاسها العقائدى حولا النجاح العلمى إلى تهديد للإنسانية، وضياع لمستقبلها. ونحن هنا نريد إنصاف أنفسنا وديننا وتراثنا مستندين إلى نصوص كتابنا وحده. إن الكون ـ فى الفلسفة القرآنية ـ نفيس القيمة، غال عند صانعه! لا لأنه بذل فيه جهدا، أو دفع فيه ثمنا كلا ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ). إن غلاءه راجع إلى دلالته على خالقه، فقد بنى لبنة لبنة بالحق، وانتظمت أرجاءه ص _٠٥٤


الصفحة التالية
Icon