_٠٥٥
المثل الأعلى ـ ويحدثنا عنه؟ لنعجب ونسبح ونسجد ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا * ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ). ثم بعد حديث الظل وتقلصه وامتداده، يجئ حديث الليل ( وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا ). تابعت ظلال الأشياء فى أوقات كثيرة وأنا هابط من الطائرة، وهى لما تستقر على الثرى، وظلها يسابقها أو هى تسابق ظلها! قلت: أين كان هذا الظل ونحن فى الجو؟ لقد شاهدت ظلال الجبال، وظلال السحب القريبة، أما السحب العالية فلم أشهد لها ظلا، يبدو أنه ليس هناك ما يمسك الظل المتبدد فى الفضاء!! لكن ظل الأرض السابحة فى جو السماء يجد ما يمسكه، فوجه القمر يتشكل هلالا، وتربيعا، وبدرا، حسب ما يستقبل من هذه الظلال... وقرأت قوله تعالى: ( أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ). وقوله ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال )!! إن الحى القيوم يهب لكل ذرة فى الكون وجودها، فهى عانية له، مائلة إليه، خاضعة بين يديه، وهى فى الصباح والمساء طوع أمره مستكينة لسلطانه الأعلى! فهل من الرشد استصغار هذا الملك، واستدبار روائعه وآياته؟ إن الجهلة بالكون يحقرون عظيما، ويتنقلون فى أرجائه كما يتنقل الفلاح بين معامل الكيمياء، ومراصد الأفلاك، ومصانع الذرة.. ويمكن أن أسيغ من عبيد البقر أن يجهلوا الكون وربه، ولكنى لا أسيغ أبدا من أتباع القرآن أن يعيشوا عجزة محجوبين، بين أسرار الكون وقواه، وما أوح الله فيه من مرافق ومنافع! كيف وفى الصفحات الأولى من كتابهم: ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ) وقبل ذلك نداء عام للإنسانية كلها، أن تعرف ربها وما قدمه للبشر من ثروات وخيرات.. ص _٠٥٦


الصفحة التالية
Icon