(يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم….). ولست أرد إلى الفكر اليونانى وحده، ما أصاب العقل الإسلامى من عوج، إن هناك نوعا من التدين يفهم طلب الآخرة على أنه كراهية الحياة، ويفهم الزهد فى العاجلة على أنه الجهل بها أو العيش على هامشها... وفى الأعصار الأخيرة شاع حذا النوع من التدين، فشان الدين والدنيا معا، وألحق بالمسلمين هزائم رهيبة فى معاشهم ومعادهم على سواء! ما تقول فى شخص يقطع يده، لأنها قد تقترف إثما؟ إنه لن يستطيع بعد ذلك أن يفعل خيرا. وقد روى الجاحظ أنه لقى رجلا شاحبا معلول البدن فسأله ما به؟ فقال له: فكرت فيما تجره الشهوة الجنسية على صاحبها من انحراف وشر، فذهبت فاختصيت! وفقد الأحمق القدرة على الحياة كلها بهذا الحل! إن بعض المتدينين ارتضى هذا المسلك، وعاش فى زاوية ضيقة من الكون الواسع، إيثارا للراحة، أو السلامة، أو البعد عن الفتن، أو الاستعداد للآخرة... وترك ميادين الحياة يعربد فيها الآخرون! ينشرون أهواءهم، وينصرونها. ليس هذا فكرا إسلاميا قط، وإن أمسى فكرا عاما بين جمهرة المسلمين الذين يحيون غرباء ضعفاء فى أنحاء العالم. إن انفتاح المرء على الكون وفقهه لما فيه واستمكانه منه، هو التوجيه القرآنى الأوحد لجملة العقائد والمعالم، التى يقوم الدين عليها.. هل هناك مخلوقات صنعها إله غير الله؟ هل هناك إله خلق الحيوان، وآخر خلق الإنسان؟ هل خالق الشمس غير خالق الأرض؟ إن وحدة الكون فى نظامه وغايته قاطعة فى أن الخالق واحد! ولذلك يقول جل شأنه: ( خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم * هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه )؟ ص _٠٥٧


الصفحة التالية
Icon