وبهذا المنطق السهل القريب تتقرر عقيدة من أركان الدين.. وعندما يتساءل المرتابون عن إمكان البعث بعد الفناء، يسوق القرآن أدلته الكونية الدامغة ( أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج * والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج * تبصرة وذكرى لكل عبد منيب * ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد * والنخل باسقات لها طلع نضيد * رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج ). نعم كذلك الخروج! ليس الإحياء الثانى أصعب من الإحياء الذى ترون صوره بين أيديكم فى كل آن!! إن إيقاظ الغافلين، وإشعارهم بخطورة ما هم فيه من جحود وكنود، وإلهامهم النجاة من مواطن العطب، يتم بعد عرض سريع خاطف لآيات الله فى ملكوته (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون * والأرض فرشناها فنعم الماهدون * ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون * ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ). وهكذا ترى مشاهد الكون، هى الدافع إلى الإيمان، الباعث على التوحيد، القائد إلى التوبة، الناقل من الهلاك إلى النجاة. بل إن القرآن يمهد لدعاء الله وحمده، بذكر إبداعه للقارات، وبثه للعمران فى جنباتها، وتكريمه للإنسان صورة ومعنى، وهو يتنقل فى أقطارها ( الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين * هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين ). ماذا حدث بعد أن فقد الإيمان مصادره الكونية؟ وتوجيهاته القرآنية؟ تحول إلى فكر غامض وغيبيات مبهمة واستدلالات فلسفية نظرية ميتة. والواقع أن الخلوف التى زحمت أرض الإسلام فى العصور الأخيرة، كانت تعتمد على التقليد، أكثر من الاعتماد على الجهد العقلى القائم على ملاحظة الكون ودراسته.. ص _٠٥٨


الصفحة التالية
Icon