الاهتمام بالدنيا حق على أن تكون وسيلة إلى ما وراءها، أما الانكباب عليها والغفلة عما سواها فضلال بعيد. وصلتنا بالله تصح وتقبل عندما تبلغ من القوة مستوى يعلو الغرائز المهتاجة ويغلب الغفلة الغامرة! يجب إذا رأينا الكون أن نرى قبله أو معه من كونه، والعالم المعاصر تضافر فيه الشرق والغرب على إظهار الأسباب، وإسدال ستار على ربها، كأنه لا وجود له، أو لا عمل له، وكأن هذه الأسباب هى الفاعل الحقيقى وما عداها وهم... وهذا ضلال بعيد! إن لقانون السببية احترامه، والناس يزرعون ليحصدوا، ويتزوجون لينسلوا، بيد أن هذه الوسائل مفاتيح للقدرة العليا، أو هى أغطية تتحرك القدرة تحتها... قال الإمام النووى: روينا فى الصحاح عن زيد بن خالد الجهنى قال: " صلى بنا رسول الله ﷺ صلاة الصبح فى أثر سماء - سحب وأمطار - كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال. هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم بما قال! قال: أصبح من عبادى مؤمن بى وكافر! فأما من قال.. أمطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بى كافر بالكواكب. وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بى مؤمن بالكواكب". ونسارع إلى بيان المراد فى هذا الحديث، إن الذاهلين عن الله المنكرين لسوقه الرياح وتصريفه للسحاب المسخر بين السماء والأرض يقولون: جاءتنا الأمطار من هبوب الريح الفلانية ووقوع تقلبات جوية! وهؤلاء لا إيمان لهم! أما من يعرفون الله، ويرون الرياح والسحب، علامات على قدرته، ودلالات على إرادته، فهم لا يكفرون إذا قالوا: أمطرت السماء الأرض، وأنبت الربيع البقل، وأنضجت الحرارة الفاكهة.. الخ. المهم أن نعرف الفاعل الحقيقى، ونتجه إليه بالشكر حين يعطى، ونقف بساحته ضارعين حين يرجئ ويبتلى... ص _٠٦٧


الصفحة التالية
Icon