ترى ما موقف المحبين لله بإزاء ما يملأ الدنيا من جفاف وذهول؟: البعض يضيق ذرعا بالانصراف عن الله، والوقوع فى مساخطه، ويقرر النجاة بنفسه، فيؤثر العزلة، ويرى الموقف السلبى أنجى.. وهؤلاء ـ على ما بهم من خير يشبهون من يكره أماكن التدخين فيجرى بعيدا عنها، تاركا غيره يعكر الجو، ويحرق صحته وماله، ويزكم الأنوف بنتن التبغ المتصاعد. قد تقول: بل الأمر فوق ذلك! إنه ليس انتقالا من جو وبئ إلى جو نقى، إنه فرار بالدين والعرض، من مكان يفتك بالدين والعرض! أين يستقر المؤمن بين أناس تتحرك فى أجسامهم الضغائن والمآرب الرخيصة؟ تختل هذا ذاك، ويخدع ذاك هذا، وكأنهم المعنيون بقول الشاعر: إنما أنفس الأنام سباع يتهارشن جهرة واغتيالا! أين يستقر المؤمن فى مجالس تفيض باللغو والإثم، كأن حديثها بغام هابط، لا تسمع إلا النميمة والغيبة والاستطالة فى الأعراض، وتكبير الصغار، وتصغير الكبار؟ أين يستقر المؤمن بين تقاليد سائدة، تفرض الزلفى والمداهنة ـ لأصحاب السلطان، وتفرض الاستهانة والازدراء بالضعفاء والفقراء؟ أين يستقر المؤمن بين أقوام قلما يذكرون الله، ويلهجون بمحامده وهداياه إلى خلقه، وما أكثرها، فإذا أصابهم حرج كان لهم عويل النساء وإياس الهلكى. إنه لا حديث أبدا عن لقاء الله، وهو حتم! ولا عن عقابه وثوابه ولابد منهما! هل عزلة المؤمن هى الحل؟: خير للمسلم أن يفر بدينه، وينأى بنفسه ويعتزل هذه الطوائف كلها.. وإذا كان لإيمانه ضوء شمعة فليحافظ عليه حتى لا تطفئه الظلمات السائدة. وأجيب: بأن شيئا من هذا لا يبيح العزلة، وقد قالوا: إن ظلمات القطبين كلها، لا تستطيع إطفاء شمعة، ولا يجوز لأهل الخير، أن يلوذوا بالفرار، إذا طفح الشر. ص _٠٦٨