المرء الصالح الذى يلوذ بالفرار اليوم، إنما يمهد لشر قد يجتاحه غدا، أو هو سيجتاح حتما أولاده بعد غد... إن الإسلام يرفض الفرار من الزحف، وهو قد يرخص به إذا كان استئنافا للصراع واستمكانا من ( ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ). إننا قد نبيح عزلة مؤقتة يحصن المرء فيها نفسه ويسد الثغور التى ينفذ منها عدوه، حتى إذا قوى واستكمل الأهبة خرج منازلا لأعداء الله، ومعليا شعار الحق. أما أن تقرر طوائف من المسلمين التقوقع، أو التجمع على أوراد خاصة وحسب، فهذا هروب من الواجب ونكوص على الأعقاب لا يساغ فيه عذر. إن المرء قد يستجم ليعاود الكدح! أما الاستقالة من الوظيفة فقضية أخرى. وربما تعلل المعتزل، بأنه سيكون أهدأ بالا! وأرق روحا، وأدوم ذكرا لله، وهذا تعلل مرفوض، فإن تعريف الجاهلين بربهم، وتذكير الناسين بولى أمرهم ونعمتهم، أهم وأجدى من صفاء النفس وهدوء الأعصاب... يجب أن نعرف حقيقة الدين الذى ننتمى إليه، إن تذكير الناس بالله هو قمة الذكر المطلوب. وتوقيفهم عند حدوده، وتبصيرهم بحقوقه، واقتيادهم بوحيه، هو صراخ بذكره ـ جل شأنه ـ إذا كان هناك من يكتفى بالتأمل السلبى والاستنارة الباطنية. والأمر يحتاج إلى شرح طويل... فإن فساد الأديان القديمة جاء على أيدى رجال، اكتفوا بالعيش على هامش المجتمع، واستثقلوا أعباء المجاهرة بالحق، وجبنوا عن مقاومة المبطلين، وقالوا نتركهم فى حيرتهم، ونرضى بما أتيح لنا من رشاد...!! هذا الصنف من الناس، هو الذى قال للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر: (لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا ). وسواء كان هذا التساؤل عن بلادة أو يأس فإن مصير هذا الصنف لا يشرف ولا يطمئن، بل إننا نوجل من هذا المصير حينما نقرأ قوله تعالى: ص _٠٦٩


الصفحة التالية
Icon