(فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين). ومعنى هذه الآية يؤكد المعنى المستفاد من الآية الأخرى (فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون). الله يعلم بسرائر الساكتين عن مناصرة الحق ومقاومة الباطل: هل هى سلبية خور وقهر؟ مع رفض باطنى للعوج السائد؟ أم هى قلة اكتراث وسوء تقدير للعواقب؟ ليكن هذا أو ذاك، فإن ترك الضلال ينفرد بزمام الحياة ينتهى حتما بضربة من القدر لا تبقى ولا وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ. ولنتدبر الجملة الأخيرة فى الآية!! إنه قال: (وأهلها مصلحون) ولم يقل وأهلها صالحون، لأن الصلاح الشخصى المنزوى بعيدا، لا يأسى لضعف الإيمان، ولا يبالى بهزيمة الخير، صلاح لا قيمة له ولا خير فيه! كن صالحا مصلحا وراشدا مرشدا... أما أن تجلس بعيدا تنتظر النتائج، وتستسلم للواقع فلا...!! وفهم القرآن الكريم لا يخضع للمصطلحات التى جدت بعد نزوله قديمة كانت أو حديثة، ونحن نأبى وصف الإسلام بأنه مادى أو روحى مثلا، وإنما نستوحى الحكم الجامع من جملة النصوص المقررة فى الكتاب والسنة..! فالله سبحانه خالق العالم، ومديم وجوده، ومدبر أمره! وقيام كل شئ بالله على أنه الأول والآخر والظاهر والباطن حق لا ريب فيه. بيد أن هذا لا يعنى بتة فلسفة وحدة الوجود، كما روجت لها بعض الأديان الأرضية أو السماوية.. والإيمان بأن الحياة الأرضية ممر لا مقر، وأن لقاء الله لابد منه، وأن الإعداد لهذا اللقاء مطلوب، كل ذلك لا يعنى الزهادة فى الدنيا، وقلة الاكتراث بنصيبنا منها، أو قدرتنا عليها! ص _٠٧٠