الغريب أن أسفار موسى الخمسة ـ فى صدر العهد القديم ـ لم يجئ بها ذكر للقاء الله ولا وصف للجنة والنار، ولا إعداد لهذا الخلود الحق! وهذا الإغفال القبيح، لحقيقة ما خلا منها وحى، يعد من أسوأ صور التحريف الذى محق بالتوراة! ونحن المسلمين نتعرف على رسالة موسى من صحائف القرآن المصون لا من كتابات خضعت لشهوات المحو والإثبات! فى وصف رسالة موسى نسمع لهذا النداء :( فلما أتاها نودي يا موسى * إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى * وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى * إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري * إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى * فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى ). ماذا كان أثر هذا التحريف؟ لقد أمسى بنو إسرائيل أشد الناس تجاهلا للساعة، وصدودا عنها، وأمسوا ـ فى مراكز الإعلام والتوجيه التى يحتلونها ـ دعاة لعبادة الجسد، وعبادة الدنيا، ما تذكرون الله فى شأن جاد، ولا يذكرون بلقائه فى ليل أو نهار. والأمر كذلك مع أتباع الأديان الوثنية، الذين يحرقون جثث الموتى، ثم يذرون رمادها فى الريح، ثم ينسون ما كان ومن كان! ويتفق مع هؤلاء ملاحدة الشرق الشيوعى وعلمانيو الغرب الذى يرتبط اسميا ببعض العقائد، ولا يرفع عينه إلى السماء يوما... إن عقيدة البعث والجزاء امتداد للإيمان بالله وحده. والرغبة الشائعة فى عصرنا عن ذكر الآخرة ترجع إلى اهتزاز ذلك الإيمان أو فراغ القلوب منه.. وقد حرص الإسلام، على ربط السلوك اليومى، بالإيمان المتصل، الذى يجعل الآخرة تتمة للأولى.. قد تنفق مالك لأنك تحب أن تشتهر بالعطاء، وقد تنفقه لتسد ثغور الحاجة عند الفقراء، وقد تنفقه لأنك تحب الاستكثار من الأتباع، وقد تنفقه لأنك ترد دينا عليك.. ص _٠٧٦


الصفحة التالية
Icon