لكن القرآن الكريم ينبه إلى سبب آخر للإنفاق هو الذى ينال القبول الأعلى (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا * فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا ). قد تطلب منصبا ما، استكمالا لوجاهتك الاجتماعية، وقد تطلبه لأنك ـ فى رأى نفسك ـ أهل الرياسة والتقدم، وقد تطلبه لأن الآخرين رشحوك له، وقد تطلبه لأنه مصيدة للثراء والمتاع.. إن هذه الأسباب شئ آخر غير قبول المنصب لإحقاق الحق وإبطال الباطل وإعلاء كلمة الله وتحقيق العدالة بين عباده.. أى أن القيادة هنا كالإمامة فى الصلاة عبادة يرجى بها وجه الله! إن صنوفا من الأسباب النفسية تعمل وراء الإقدام والإحجام، والنشاط والفتور، والصمت والكلام، والرضا والغضب! وإذا لم يكن الإيمان الحق وراء العمل، فلا وزن له. (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ). إن الحضارة الحديثة حضارة أرضية بشرية، ترى أنه لم ينزل من السماء شئ، وأن الإنسان وحده سيد الكون، وأن الساعة الحاضرة هى الجديرة بالعناية، وأن الموت شئ مؤسف لكن ماذا نصنع له؟ فلنستعمل ما قبله فليس بعده ما يعنينا..! وربما بقيت ظلال للأديان الهزيلة التى يتوارثها البعض! فما تجدى هذه الظلال؟ إنها تشبه أدخنة بعض المصانع التى تغير الجو ثم تبددها الريح.. إننى اقتربت من نفوس شباب وشيب، أساتذة وطلاب، حكام ومحكومين، مدنيين وعسكريين، فلم أسمع ـ إلا على ندرة ـ استعدادا للقاء الله واهتماما بالدار الآخرة.. الناس محبوسون فى مآربهم القريبة وحدها، ولا يحبون أن تنفتح فرجة، يطلون منها على الحياة الآتية، ويرفضون مواساة تجئ منها؟ لتخفف من معاناتهم هنا.. ص _٠٧٧


الصفحة التالية
Icon