بل إننى شديد القلق على من رحل إلى أوروبا وأمريكا من المسلمين، وعلى من شرح الله صدره للإسلام فى هاتين القارتين، فإن البيئة الغالبة تبتلع الكثير، وتفسد فطرا كانت سليمة، وتسحق نباتا كان يمكن أن يزهر ويثمر. والدنيا الآن صاغية إلى رواد الفضاء، وغزاة القمر، فإذا قال غر من أولئك: إننى بحثت فى السماء فلم أجد إلها! صدقه قزم محقور الفكر والهمة! ومن ثم ينتشر الإلحاد هنا وهناك.. لقد فكرت مليا فى هذه القضية، وتساءلت: لماذا استحوذ الظلام على هذه المساحات الواسعة من العالم، فضلت جماهير كثيفة وعاشت بعيدة عن ربها أو جاحدة له؟ ورأيت أن للكفر سببين يضارع أحدهما الآخر ويساويه فى الخطر والأثرة. الأول: عقوق بعض الطباع وكفرها بولى نعمتها، واستكبارها على هداياته.. وثانيهما: عرض الدين مشوبا بما يثير الاشمئزاز والسخط..! فى العصور الوسطى كان عرض الدين فى أوروبا على أنه ضد للعلم، وخصومة للحياة السوية! وخليط من أوشاب الأرض فى غلاف مزعوم من السماء... فكان أن كفر العلم، وكفرت الحضارة الحديثة... ومن سوء حظ العالم أنه لم يجد من يأخذ بيده، ويهديه إلى رشده، فظلت المدنية الذكية تستخدم ذكاءها فيما يرديها.. السببان مازالا معا يستبقيان الإلحاد والانحلال.. ولما كنت واحدا من الدعاة المسلمين فإنى أعترف بأن الإسلام لم يجد من يحمل حقائقه، وأن دعاة كثيرين يقولون كلاما يستغربه أولو الألباب حتى شاع أن الإسلام دين حفنة من الحكام المترفين تعيش وسط أمم تبحث عن الأكل، لا تعرف الحرية والكرامة ولا العقل والإبداع. الدين كلفنا أن نملك الدنيا ونسخرها فى خدمة مثله وأهدافه، فقلنا: لا علاقة لنا بالدنيا. الدين أمرنا بإصلاح أجسادنا كى نطوعها لخدمة عزائمنا وآمالنا فقلنا: الدين يستحب الهزال والخفوت والجوع والسهر.. ص _٠٧٩