الدين يأمرنا بحدة النظر، وعمق الفكر، ونحن نترك الفكر يذوى، مكتفين بتلاوات وأذكار لا فقه فيها ولا تدبر معها.. إن أعمال الإسلام كلها تصبح قليلة الجدوى مع سقم العقل وعوج الفطرة... والغريب أن الذين يهولهم الواقع الأليم، ويقررون التوبة، يسلكون الطريق ذاته الذى قاد من قبلنا إلى الهزيمة... طريق تدمير الدنيا، والجهل بها، والبعد عنها! ما كان هكذا سلفنا الكبار. لقد عرفوا أن الدين هو الدنيا موضوعة بين قوسين من الإيمان والتزام هداه، مع ضميمة من العبادات، التى تزكى الروح والجسد معا، وتصلح الدنيا والآخرة جميعا... إن الدين لم يقل لنا: اتركوا الأرض وعيشوا فى كوكب آخر! بل قال الله لنا: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ). الدين لم يقل لنا: ازهدوا فى خيرات الأرض وترفعوا عن ارتفاقها لتكونوا أدنى إلى الملائكة..! بل قال لنا: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون ). ويعلم الله أن بعض الناس سوف يتقعر ويتكلف ما لا يحسن ويريد ليشرع للناس ما يظنه أليق بهم! فيقول الله لهؤلاء: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون ). ويعلم الله سبحانه أن الأرض سوف تسكنها قلة مؤمنة، وكثرة كافرة، وأن الاستمكان من خيرات الأرض الباطنة والظاهرة قوة لأصحابه، ودعم لمبادئهم، فكيف تكون الحال إذا قدر الكافرون، وعجز المؤمنون؟ أئى للحق ما يمده بالفوز؟ ويرجح كفته فى الكفاح؟ لذلك قال الله فى وصف معدن الحديد ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب )! ص _٠٨٠