احتيال لا ذكاء فيه، ولكنه بلغ مداه لفشل الضحية فى أن تتماسك وتبصر الواقع، وتتهيأ للغد.. تُرى هل يكرر أبناء آدم المأساة نفسها؟ إن الله رحيم ودود، يلهم عبده المخطئ كيف يعتذر عن خطئه، فإذا أقبل معتذرا هش للقائه، وكان إليه بكل خير أسرع! لذلك لم يترك آدم يواجه عاقبة عصيانه، بل علمه كيف يرجع إلى ربه ويتخلص من ذنبه ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ) ( البقرة : ٢٧ ). لقد لاحظت أن الله يتوب أولا على الإنسان، فإذا تاب عليه تمهد طريق العودة الصالحة أمامه! إن الله ـ تبارك اسمه ـ سبقت رحمته غضبه، ولو ترك الناس لغرائزهم لأهلكتهم خطاياهم، فعصيان الله ليس شيئا تافها، إن عصيان الجليل باب السحق والمحق، وإذا أراد الله خيرا بمذنب فتح له بصيصا من نور يبصر به طريق التوبة، فإذا استوحش من خطئه وحن إلى ربه، وآثر العودة إليه، وجد أمامه إشارة خضراء، تؤذن بالمرور.. وكذلك فعل آدم عندما زل، وكذلك فعلت زوجته عندما تابعته على زلله، لقد رددا معا هذه الكلمات ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين * قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين * قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ) ( الأعراف : ٢٣ ـ ٢٥ ). إن سورة الأعراف فصلت ما أجمل فى سورة البقرة، وبعد هذا التفصيل جاءت أربعة نداءات لأولاد آدم تعلمهم كيف يسيرون فى دروب الحياة، وتحذرهم من الغفلة التى طوت أبويهم فذاقوا من عقباها ما ذاقوا. وفى النداءات الأربعة خلاصة لما تحتاج إليه الإنسانية جمعاء من تبصرة وحماية. أما سورة البقرة، فإن الحديث بعد سرد قصة آدم، اتجه إلى بنى إسرائيل، فقد كانوا حملة الوحى القديم، بيد أنهم كانوا شديدى العقوق لمواريث السماء، مدمنى الانحراف عنها، فشاء الله أن يقصر على حملة الوحى الجديد أنباء ما صنع أسلافهم، ص _٠٨٩