بهم، فوجدتها تتلاقى فى رحاب هذه الحضارة، وتنتشر بين نظمها المختلفة، اشتراكية كانت أو رأسمالية. ص _٠٩٢
كان عمالقة "عاد" يقولون: من أشد منا قوة؟ وظهرت قوتهم فى بناء القصور الشاهقة وسكنى البروج والقمم بعد جعلها آيات فى الفن والزخرفة! وقد قلنا: إن الله سخر للمؤمنين الأرض وما فيها، فليس بكثير عليهم أن يبنوا ما أحبوا، وأن يعلو القصور ما شاءوا.. المهم أن يعمروها بتقول الله، وألا تكون تنفيسا عن مشاعر الغرور وعبادة الحياة الدنيا.. إن كثيرا من المتطاولين فى البنيان جمعوا ثرواتهم من سرقة الكادحين، ومن تجارة المخدرات والرقيق الأبيض.. وقد استطاع الاستعمار العالمى أن يبنى مدنا كبيرة بعرق الزنوج وأموال المغصوبين من سكان إفريقية وآسيا، ثم سكن هذه العواصم المشيدة من لا يعترفون لله بحق، ولا يذكرونه بخير! ماذا تقول عندما ترى هذه المغانى الزاهرة؟ ألا تذكر قول القرآن الكريم لـ "عاد": ( أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين). إن أمراض البشر متشابهة ودواؤها واحد، وقد جاءت صفة هذا الدواء القديم فى نصيحة "هود" لقومه، إنهم لم يكتفوا بترك ما هم فيه من نعماء، كلا، لتبق لهم مساكنهم وجناتهم، وليضموا إلى ذلك شيئا واحدا، ما هو؟ ( فاتقوا الله وأطيعون * واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون * أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ). إن الله لم يعد التائبين بالحرمان والشظف، بل قال: ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ). إن الله استخلف عادا فى الأرض بعدما أهلك قوم نوح بالطوفان، فكانوا أشر خلف لشر سلف، وجدير بالنظر أن قوم هود سكنوا جنوبى جزيرة العرب، أما قوم نوح فكانوا شمالى الجزيرة، فى وادى الفرات، كيف انتقلت خصال السوء من فوق إلى تحت؟ وكيف انتقلت إلى بقاع أخرى متقاربة أو متباعدة


الصفحة التالية
Icon