حتى قال الله تعالى: ( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون * أتواصوا به بل هم قوم طاغون * فتول عنهم فما أنت بملوم ). ص _٠٩٣
إننا نلحظ فى أحوال الأمم المكذبة أنها لا تبحث قضايا الألوهية والبعث والاستقامة والأدب بحثا موضوعيا تعمل فيه ما وهب لها من عقل، وتمنحه ما يستحق من عناية، إنها تهتم بشيء آخر ينبغى أن نكشفه! فإن جرثومته لا تزال تفسد الأم حتى عصرنا الحاضر.. ماذا طلب نوح من قومه؟ قال لهم: ( إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون ). ثم وصف لهم الله الذى يدعوهم إلى عبادته ( ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا * وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا * والله أنبتكم من الأرض نباتا * ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ) الخ. لكن قوم نوح لم يفكروا فى هذا الإله وعظمته وحقوقه! بل فكروا فى أنفسهم ومكانتهم ومالهم وجاههم، وحسبوا أن الدعوة الجديدة ستجعل نوحا فوقهم درجة، وتجعل قمت سبق إلى اتباعه أعلى قدرا! والغبى يرى فى الذكاء تحديا له، ويخاصم كل شئ يتوجس منه على وضعه! وتأمل فى رد قوم نوح عليه :( فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين ) إن الرد كله يقوم على نفى ما قد يتميز به نوح على غيره، وعلى تحقير الذين يصدقونه واعتبارهم أراذل المجتمع، وعلى الطعن فى إيمانهم وإخلاصهم، فليسوا أكثر من متمردين على الأوضاع التى ينبغى أن تبقى.. والغريب أن هذه التهم تتكرر على اختلاف الأزمنة والأمكنة، وقد واجه مثلها النبى الخاتم عليه الصلاة والسلام، ولا تزال تواجه الدعاة والمصلحين إلى الآن.. وفى البشر ميل عجيب إلى ما يسقى بنظام الطبقات، وإلى تحقير فئات من الناس للونهم أو لفقرهم! وقد طلب قوم نوح منه طرد هؤلاء الأراذل عنه؟ لأنئهم يستنكفون الاجتماع معهم،


الصفحة التالية
Icon