فأجاب ( وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون * ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون )؟ ص _٠٩٤
وتكرر الطلب إلى صاحب الرسالة الخاتمة فأوحى الله إليه :( الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ). وخرافة الطبقية ترجمت عن نفسها فى الدين "البرهمى" إذ جعلت ناسا يخلقون من دماغ الإله وناسا يخلقون من قدمه! هم المنبوذون! ولا تحسبن هذه الخرافة قد تلاشت، فهى تصبغ الحضارة الحديثة فى كثير من مسالكها السياسية، والاجتماعية، والأخلاقية، وإذا كانت وثيقة حقوق الإنسان قد أنكرتها، فإن سيرة الشعوب الأوروبية والأمريكية، تخضع لها وتستوحيها. وعيب "هتلر" أنه كان صريحا فى تفضيل الدم الآرى على غيره من الدماء، والواقع أن الشعوب الغربية تخفى هذه العقيدة فى نفسها، وتظهر فى مسالكها بين الحين والحين.. واليهود يرون أنفسهم شعب الله المختار، ويرون الأجناس الأخرى خلقت لخدمتهم، وقد مكن لهذه الأسطورة انهزام العرب أمامهم فى صورة مخزية، وامتطاؤهم صهوة الجواد الأمريكى ينطلقون به حيث شاءوا.. وإنه لشىء بديع أن يولد المرء عظيما ؛ لأن جلده أبيض، أو لأن أباه غنى أو لأن نسبه عريق.. إن العظمة التى ورثها حطت عنه أعباء الصعود فى سلم الارتقاء، ومنحته ثقة فى نفسه لا تقاوم!! وقوم نوح أول من سنوا هذه البدعة، ثم انتشرت من بعدهم فى سائر الأرجاء ( وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا). إن تاريخ المجتمع الإنسانى مع ربه سيئ، لا تبيض صفحة منه بعمل صالح إلا سودت صفحات بأعمال رديئة.. وبدا أبناء آدم فى صور دميمة، يسارعون إلى الشر أكثر مما يسارعون إلى الخير، ويغلب نداء الشهوة نداء العقل، وحب العاجلة حب الآجلة... ولم يسكت القدر الساهر عنهم، فقد بين الله سبحانه أنه أوقع بالمجرمين ما ص _٠٩٥


الصفحة التالية
Icon