لماذا عومل بالطريقة التى عومل بها؟ إنه فى نظرى مجهول الحقائق مخبوء الأسرار، ولا أحسب أمة فى الأولين والآخرين أفقر إلى معرفة تاريخها من أمتنا الإسلامية!! وفى تلك الصحائف، نظرة عامة سريعة إلى هذا التاريخ، منذ بدأ إلى يوم الناس هذا، استجبنا فى عرضه إلى قول الله سبحانه: (أولم يهد) أى يتبين (للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم) [ الأعراف : ١٠٠] وقوله: (أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات) إن ما وقع أمس لا يعنى أصحابه وحدهم! يجب علينا أن نكترث به، ونفيد منه، ونوازن ونحكم، وإلا دفعنا ثمن جهالتنا من دمائنا واستقرارنا.. وقد أبان القرآن الكريم أن هناك عقلا يتكون من التجربة، ومن السير فى الأرض، ومن الرحلة إلى الماضى! وبين أن الإنسان الذى تقوم معرفته على قراءات سريعة، وأحكام نظرية، أضعف حسا من إنسان له معاناة فى الدنيا وتجارب مع الناس... هذا العقل المتولد من المدارسة والمعاناة، هو الذى يشير إليه القرآن الكريم عندما يقول: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) [الحج : ٤٦] وقد تساءل القرآن الكريم مستنكرا حال قوم يمرون بآثار الماضين الهالكين، ثم لا يرعوون: (ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا) [الفرقان : ٤٠]. ومن هنا نجد أن دراسة التاريخ فريضة دينية، وهى إلى جوار ذلك فريضة إنسانية، بل إننى- بعد التأمل فى تاريخ المسلمين القريب والبعيد- أشعر بأنها ضرورة بقاء؟ وسياج لحياتنا ورسالتنا، إذا كنا حراصا على صون حياتنا وتبليغ رسالتنا... مازلت أذكر مذابح أنطاكية وبيت المقدس فى الحملة الصليبية الأولى! وكان القتلى عشرات الألوف فى كلتا المدينتين، وبلغت أكوام الجثث ارتفاع بيت من أربعة طوابق! ص _١٠٣


الصفحة التالية
Icon