أكان الصليبيون جديرين بهذا النصر الخسيس، أو قادرين على إحراز شئ منه؟ كلا كلا، كان المرمى خاليا من الحراس، فسجلت فيه إصابات لا حصر لها..!! قال التاريخ: ما تحركت عاصمة إسلامية فى المشرق أو المغرب عندما وقع هذا البلاء، كان المسلمون فى حال مفزعة، من الانقسام والفوضى، والانحصار فى مآربهم الدنيا. ولو تحرك جيش من النساء يحمل المكانس لهزم الصليبيين! فقد كانوا يتساقطون من الإعياء، وكانوا يأكلون الجيف من الجوع، وما كانوا يقدرون على شئ ذى بال..! بيد أنهم وجدوا بلدا يعيش فى بلهنية، مقطوعا عن الأعوان، محفوفا بالخيانات فعاثوا فيه ما عاثوا... ودراسة هذه النكبة كانت جديرة بانعقاد مجامع، وإجماع فقهاء، وصرخات تحذير تدوى فى كل مسجد، ويتحدث بها الركبان. لكن المسلمين بعد استرداد الأرض التى فقدوها، لم يدرسوا التاريخ، ويطرحوا الموضوع كله على بساط البحث، ولذلك لم يمض قرنان ونصف، حتى حتى دها بغداد ما دهاها، فإذا الخلافة العباسية تهوى، وحاضرة الدنيا تحترق، والتتار يدوسون تحت أقدامهم كل شئ.. وشاء الله أن ينهض الأتراك بحمل الخلافة التى ناءت به كواهل العرب وتقدموا شرقى أوروبا، لكن راية ا لإسلام كانت تنزل عن الأندلس، وقوافل التوحيد والحضارة تتراجع ذليلة كاسفة إلى شاطئ البحر الذى وثب منه طارق بن زياد قبل ذلك بثمانية قرون... بأى عقل تمر هذه الأحداث الهائلة فى صمت؟ لماذا لم تنشغل بها الجماهير فى المساجد؟ ويتنادى لبحثها أولو الألباب؟ وتتأخر قضايا أخرى، لتكون هذه المأساة فى الطليعة؟ لقد لاحظت أن علم التاريخ الذى وصل إلينا منقوص فى مساحته المكانية، مهمل فى سرده وربطه بين الأسباب والنتائج، نازل الرتبة بين العلوم الأخرى.. فأما المساحة المكانية فإننا لا ندرى إلا القليل عن إخوان العقيدة فى شرقى آسيا وجنوبها وشمالها ووسطها، كأن الإسلام لم ينتسب إليه إلا العرب ومن جاورهم من فرس وترك.. ص _١٠٤


الصفحة التالية