وبعده دين ينهض على أصول بينة، وصراط يسير المرء فيه عارفا كيف يعاشر القريب والبعيد، والعدو والصديق.. وشعب الإيمان التى تربو على السبعين مجموعات شتى لكل مجموعة محورها الذى تدور عليه، وأنصبة النجاح التى أحرزتها كل مجموعة ليست متساوية، فمعالم العقيدة بقيت متألقة بأشعة التوحيد، وكذلك جملة العبادات والآداب الدينية، وقد تطرأ بدع وانحرافات طفيفة لا تمس الجوهر.. وحدود الحلال والحرام ظلت ثابتة، فبينما استباح أهل الكتاب الربا والزنا واللواط وآثاما أخرى بقى المسلمون يرفضون المنكر، ويتحامونه جهدهم... وقد اضطربت سياسة الحكم وغلبت غرائز الأثرة، كما اضطربت سياسة المال واعوج سيره فى دنيا الناس، ومع ذلك بقى من يأمر وينهى ويعد ويتوعد ويذكر بالله والآخرة! إن أسس العقيدة لم تزدها الأيام إلا ثباتا، ونصوص الشريعة مصونة الأصل، بخلود القرآن وإن كان التطبيق قد تعطل فى بعض الزوايا المهمة. وليس مستغربا أن تغلب أهواء البشر فى بعض المحاولات، وأن يؤثر ذلك على كيان الدولة الإسلامية، ويلحق بها هزائم كبيرة، لكن الإسلام فى جملته ظل ينطلق مشرقا ومغربا، وظل قديرا على منازلة الوثنية ومحورها! وظل كذلك قديرا على مواجهة أهل الكتاب، وإحباط مؤامراتهم، وإزالة العوائق التى يضعونها فى طريقه. إن العملاق الذى يصاب بصداع أو سقام لا يئوده أن يهزم الأقزام الذين يحاولون قتله، وأن يبلغ غايته فى أغلب الأحيان. وقد تحدث المؤرخ الإنجليزى " توينبى " عن أيام الانحلال أو الانحطاط الذى أصاب الحكومة الإسلامية، وذكر أن ذلك لم يمنع دعوته من الانتشار والتوسع! قال: " وفى أواسط آسيا، لم يتراجع الإسلام، مع ضعف دولته، بل على العكس انتشر، ففى أيام الخليفة المقتدر (٨ ٠ ٩- ٩٣٢ م)، حين كانت الخلافة العباسية أضعف ما تكون؟ بعث بلغار الفولفا (وهم شعب تركى كان يقيم عند ملتقى الفولفا بكاما) إلى الخليفة يطلبون منه أن يبعث إليهم من يفقههم فى الدين