وأعقبت ذلك بالإشادة بمن يعمل للآخرة، ويجتنب الفواحش، ويعفو عند المقدرة، ويستحب لربه، ويقيم الصلاة، ويستشير أهل الخبرة والمعرفة، وينتصر من أهل البغي والعدوان، ويؤثّر العفو والصفح والصلح، ويقتصر على الجزاء بالمثل، ويصبر في المحنة.
وأردفت ذلك ببيان أهوال النار وخسارة أهلها، وفقدانها النصر، وتمنيهم العودة إلى الدنيا حين رؤية العذاب، وهم أذلة صاغرون. وناسب هذا دعوة الناس جميعا إلى الاستجابة لدعوة اللّه والانقياد لحكمه وشرعه قبل المفاجأة بيوم القيامة الذي لا شك فيه ولا مرد له : اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ... [٤٧].
والاستجابة تكون تلقائية اختيارية لا قهر فيها، وما على الرسول إلا البلاغ.
ثم ختمت السورة أولا بتأكيد كون ملك السموات والأرض للّه، يهب الأولاد أو لا يهب بحسب المشيئة، وثانيا ببيان أقسام الوحي، وعظمة القرآن خاتم الكتب السماوية، والذي هو نور اللّه الهادي إلى صراط مستقيم، ليتناسق الختام مع مطلق السورة بالحديث عن هذا الكتاب العزيز : وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [٥٢]. (١)
وتسمى سورة حم عسق، وهي مكية عند الجمهور، وحكى عن ابن عباس أنها مكية إلا أربع آيات أولها قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً وقيل : المدني من قوله تعالى ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ إلى قوله : إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ومن قوله : وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ.. إلى قوله : ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ والأفضل قول الجمهور.
وهذه السورة كأخواتها المكية يدور بحثها حول التوحيد والنبوة وإثبات البعث، وركزت أبحاثها في القرآن المنزل على محمد من عند اللّه الموصوف بصفات الكمال والجلال والقدرة والعلم والحكمة، وإثبات أن هذا الشرع المحمدي يتفق مع الشرائع السابقة في الأصول العامة، فلا عذر لمن كفر ولا حجة له، مع تهديدهم ببيان ما أعد للكفار، وما أعد للمؤمنين، مع ذكر بعض آياته، وبيان أن كل أفعاله موافق للحكمة والمصلحة، مع بيان صفات المؤمنين وصفات غيرهم، وقد بدأ السورة بالكلام على الوحى وختمها كذلك ببيان كيفية اتصاله بالأنبياء. (٢)
سورة الشورى مكية - آياتها ثلاث وخمسون وتسمى حم عسق مقصودها الاجتماع على الدين الذي أساسه الإيمان، وأهم دعائمه الصلاة، وروح أمره الألفة بالمشاورة المقتضية لكل أهل الدين كلهم في سواء كما أنهم في العبودية لشارعه سواء، وأعظم نافع في ذلك الإنفاق والمؤاساة فيما في اليد، والعفو

(١) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (٢٥ / ٢٠)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٣٥٥)


الصفحة التالية
Icon