موضوع هذه السورة كسائر السور المكية يتعلق بغرس أصول العقيدة الإسلامية في النفوس، وهي : الإيمان باللّه عز وجل وحده لا شريك له، والرسالة والنبوة والوحي، والبعث والجزاء.
بدأت السورة ببيان مصدر القرآن العظيم وهو الوحي الإلهي وتأكيد عربيته ومصداقيته، وجعله معجزة الإسلام والنبي - ﷺ - الخالدة إلى يوم القيامة، وكونه أداة إنذار قريش وقبائل العرب الذين أسرفوا في متع الدنيا، وكذبوا رسولهم كتكذيب من سبقهم من الأمم.
ثم أبانت بنحو قاطع أدلة وجود اللّه عز وجل وقدرته ووحدانيته من خلق السموات، والأرض وتذليلها وتمهيدها وإيجاد طرقها، وإنزال الغيث النافع عليها، وخلق أصناف (أزواج) الأشياء والفلك (السفن) والأنعام لأهلها، واعتراف المشركين صراحة بأن الخالق هو اللّه عز وجل.
ولكنهم لوثوا ذلك الاعتراف بالوثنية والخرافة، فعبدوا الأصنام والأوثان، وزعموا أن الملائكة بنات اللّه، ولم يجدوا مسوغا لتدينهم الفاسد إلا تقليد الآباء والأجداد، فصححت لهم آي القرآن انحرافهم، ونعت جهلهم وسفههم بتلك العبادة الباطلة، والزعم الذي لا دليل عليه، وحذرتهم من إنزال مثل العقاب الذي أهلك به اللّه أمثالهم من الأمم الغابرة.
وأوردت قصص بعض الأنبياء من أولي العزم كإبراهيم الخليل وموسى وعيسى عليهم السلام ليعتبروا بها ويتعظوا بأحداثها ونتائجها. وأردفت قصة إبراهيم بتفنيد شبهة المشركين حول رسالة النبي - ﷺ -، حيث اقترحوا إنزالها على أحد رجلين عظيمين من أهل الجاه والثراء في مكة والطائف، لا على يتيم فقير، فرد اللّه عليهم بأن ميزان الاصطفاء للنبوة هو مقومات أدبية خلقية إنسانية، لا مادية رخيصة، فالدنيا لا تساوي شيئا عند اللّه تعالى، وأنه خشية أن يكون الناس أمة واحدة على ملة الكفر، لمنحها بجميع زخارفها وأمتعتها الكفار، ومنعها المؤمنين.
وحذرتهم عقب ذلك من الإعراض عن ذكر اللّه، ورغّبتهم في النعيم الأبدي في الآخرة، وامتنّت عليهم بأن القرآن شرف لنبي اللّه - ﷺ - ولهم على السواء :
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ [٤٤].
ثم ختمت السورة ببيان وصف نعيم الجنة الذي لا مثيل له، والمخصّص للمؤمنين بآيات اللّه المسلمين المنقادين لربهم، وإيضاح أهوال القيامة وشدائد الأشقياء أهل النار حيث يتقلّبون في عذاب جهنم، وإفلاسهم من شفاعة الأصنام والآلهة المزعومة، وإعلان اليأس من إيمان هؤلاء المشركين والإعراض عنهم، فسوف يعلمون ما يلقونه من العذاب. (١)

(١) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (٢٥ / ١١٢)


الصفحة التالية
Icon