ثالثا : من أتى الرسول - ﷺ - من قريش مسلما بغير إذن وليه رده إليهم، ومن أتى قريشا من المسلمين لم يردوه.
رابعا : من أحب أن يدخل في عقد مع الرسول - ﷺ - فله ما أراد. ومن أحب أن يدخل في عهد قريش فله ذلك.
ولقد عز على بعض المسلمين قبول الرسول - ﷺ - لهذه الشروط، التي ظاهرها الظلم للمسلمين، حتى قال عمر - رضى اللّه عنه - للرسول - ﷺ - : يا رسول اللّه، ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ فقال - ﷺ - :« إنى رسول اللّه ولست أعصيه وهو ناصري ».
ثم أشار - ﷺ - إلى المسلمين أن يتحللوا من عمرتهم، بأن ينحروا هديهم، وأن يحلقوا رءوسهم أو يقصروا. ولكنهم لم يسارعوا بالامتثال، فدخل - ﷺ - على زوجه أم سلمة - رضى اللّه عنها -، وقد ظهر الغضب على وجهه.
فقالت له : يا رسول اللّه، اعذرهم، وابدأ بما تأمرهم به دون أن تكلم منهم أحدا.
فقام - ﷺ - فنحر هديه، ودعا حالقه فحلق له، فلما رأى المسلمون ذلك من نبيهم، قاموا فنحروا هديهم، وجعل بعضهم يحلق بعضا.
ثم أقام المسلمون بعد ذلك عدة أيام بالحديبية، ثم قفلوا راجعين إلى المدينة، وعند ما سمع - ﷺ - بعضهم يقول : لقد رجعنا ولم نصنع شيئا..
قال - ﷺ - « بل فتحتم أعظم الفتح ».
وصدق رسول اللّه - ﷺ - في قوله هذا. فقد كان صلح الحديبية فتحا عظيما، كما نبين ذلك عند تفسيرنا للسورة الكريمة.
وبهذا العرض المجمل لأحداث صلح الحديبية، نكون قد أعطينا القارئ فكرة مركزة عن هذا الصلح، وعن الجو العام الذي نزلت في أعقابه سورة الفتح، ومن أراد المزيد لمعرفة أحداث صلح الحديبية فليرجع إلى كتب السيرة. (١)
في السورة إشارة إلى أحداث ومشاهد سفرة الحديبية وصلحها وما يسّره اللّه للمسلمين من فتح خيبر وغنائمها على ما أجمع عليه المفسرون وكتاب السيرة القدماء. وفيها تثبيت وتطمين ربانيان بمناسبة تلك الأحداث والمشاهد. وإشارة إلى مواقف بعض الأعراب المسلمين منها. وإشارة إلى وجود مؤمنين يكتمون

(١) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٣ / ٢٥٣)


الصفحة التالية
Icon