إيمانهم في مكة. وإيذان جديد بوعد اللّه بإظهار الإسلام على الدين كله. وتنويه بأصحاب النبي - ﷺ - وما كانوا عليه من ورع وتقوى.
وآيات السورة منسجمة في الموضوع والظرف. وهذا يسوّغ القول بوحدة نزولها ونزول فصولها متتابعة.
والمصحف الذي اعتمدنا عليه يروي أن هذه السورة نزلت في طريق عودة النبي - ﷺ - من الحديبية إلى المدينة. وقد أورد المفسرون بعض أحاديث مؤيدة لذلك. منها حديث أخرجه الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب قال «كنا مع رسول اللّه - ﷺ - في سفر فسألته عن شيء ثلاث مرات فلم يردّ عليّ، فقلت في نفسي : ثكلتك أمّك يا ابن الخطاب ألححت على رسول اللّه ثلاث مرّات فلم يردّ عليك. فركبت راحلتي فحركت بعيري وتقدمت مخافة أن يكون نزل فيّ شيء فإذا أنا بمناد يا عمر فرجعت وأنا أظنّ أنه نزل فيّ شيء فقال النبي - ﷺ - : نزل عليّ البارحة سورة هي أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ» «١» ومنها حديث أخرجه الإمام أحمد أيضا عن مجمع بن حارثة الأنصاري جاء فيه «شهدنا الحديبية فلما انصرفنا عنها إذا الناس ينفرون الأباعر فقال الناس بعضهم لبعض ما للناس؟ قالوا أوحي إلى رسول اللّه - ﷺ - فخرجنا مع الناس نوجف فإذا رسول اللّه - ﷺ - على راحلته عند كراع الغميم فاجتمع الناس عليه فقرأ عليهم إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) فقال رجل من أصحاب رسول اللّه : أي رسول اللّه أو فتح هو؟ قال إي والذي نفس محمد بيده إنه لفتح» «١».
ومنها حديث أخرجه ابن جرير عن عبد اللّه بن مسعود جاء فيه «لما أقبلنا من الحديبية عرسنا فنمنا فلم نستيقظ إلّا والشمس قد طلعت. فاستيقظنا ورسول اللّه - ﷺ - نائم قال فقلنا أيقظوه فاستيقظ فقال افعلوا ما كنتم تفعلون. وكذلك يفعل من نام أو نسي. وفقدنا ناقة رسول اللّه فطلبناها فوجدناها قد تعلق خطامها بشجرة فأتيته بها فركبها فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي وكان إذا أتاه الوحي اشتدّ عليه فلما سرى عنه أخبرنا أنه أنزل عليه إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١)» «٢». وفي فصل التفسير من صحيحي مسلم والبخاري حديث عن سهل بن حنيف جاء فيه «لقد رأيتنا يوم الحديبية في الصلح الذي كان بين النبي - ﷺ - والمشركين ولو نرى قتالا لقاتلنا فجاء عمر فقال ألسنا على الحقّ وهم على الباطل. أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار. قال : بلى. قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم اللّه بيننا.
فقال : يا ابن الخطاب إني رسول اللّه ولن يضيعني اللّه أبدا. فرجع متغيظا فلم يصبر حتى جاء أبا بكر فقال : ألسنا على الحقّ وهم على الباطل. قال : يا ابن الخطاب إنه رسول اللّه ولن يضيّعه أبدا، فنزلت سورة الفتح»
«٣».
وهكذا تتضافر الروايات والأحاديث «٤» على أنها نزلت دفعة واحدة في طريق عودة النبي - ﷺ - والمسلمين إلى المدينة وهو ما يلهمه انسجام آياتها وترابطها ووحدة سياقها وموضوعها. واللّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon