ولقد روى البخاري ومسلم عن عمر عن النبي - ﷺ - قال «أنزلت عليّ الليلة سورة هي أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس. ثم قرأ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً وفي رواية «نزلت عليّ آية هي أحبّ إليّ من الدنيا جميعا» «١».
ومن المحتمل أن يكون ما في السورة من إقرار لما فعله النبي - ﷺ - وبشارات عظمى لما سوف ينتج عنه من فتح ونصر وغفران الذنوب المتقدمة والمتأخرة وإظهار دين اللّه على الدين كلّه مما جعل رسول اللّه - ﷺ - يشعر بهذا الشعور بنزول السورة وينوه فيها هذا التنويه العظيم. واللّه أعلم. (١)
سورة الفتح مدنيّة، وهي تسع وعشرون آية.
تسميتها : سميت سورة الفتح لافتتاحها ببشرى الفتح المبين : إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً...
أخرج أحمد والشيخان (البخاري ومسلم) عن عبد اللَّه بن مغفّل قال : قرأ رسول اللَّه - ﷺ - عام الفتح - أي فتح مكة - في مسيره سورة الفتح على راحلته، فرجّع فيها، قال معاوية بن قرّة : لو لا أني أكره أن يجتمع الناس علينا، لحكيت قراءته.
مناسبتها لما قبلها :
تظهر مناسبة هذه السورة لما قبلها من وجوه :
١ - إن الفتح بمعنى النصر مرتب على القتال، وقد ورد في الحديث : أنها نزلت مبينة لما يفعل به وبالمؤمنين، بعد إبهامه في قوله تعالى في سورة الأحقاف : وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [٩]. وجاء في سورة محمد تعليم المؤمنين كيفية القتال : فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ.. [٤] ثم ذكر هنا بيان الثمرة اليانعة لتلك الكيفية وهو النصر والفتح.
٢ - في كلتا السورتين (محمد والفتح) بيان أوصاف المؤمنين والمشركين والمنافقين.
٣ - في سورة محمد أمر النبي بالاستغفار لذنبه وللمؤمنين والمؤمنات [الآية ١٩] وافتتحت هذه السورة بذكر حصول المغفرة.
ما اشتملت عليه السورة :
هذه السورة كسابقتها مدنية، نزلت ليلا بين مكة والمدينة في شأن صلح الحديبية، بعد الانصراف من الحديبية. والسور المدنية كما هو معروف تحدثت عن المنافقين الذين ظهروا في المدينة، وعنيت بشؤون التشريع في الجهاد والعبادات والمعاملات.

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٨ / ٥٧٥)


الصفحة التالية
Icon