روى أحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه أن النبي - ﷺ - قال :«نزل علي البارحة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها : إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ».
وفي رواية :«لقد أنزلت علي الليلة آية أحب إلي مما على الأرض»
وفي رواية مسلم عن أنس «.. أحب إلي من الدنيا جميعها».
أضواء من السيرة على سبب نزول السورة (صلح الحديبية وبيعة الرضوان) :
كان رسول اللَّه - ﷺ - قد رأى في المنام وهو في المدينة المنورة أنه دخل مكة، وطاف بالبيت، فأخبر أصحابه بذلك، ففرحوا فرحا عظيما.
فخرج رسول اللَّه - ﷺ - من المدينة في ذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة معتمرا (زائرا البيت الحرام) لا يريد حربا، ومعه ألف وخمس مائة (١٥٠٠) من المهاجرين والأنصار ومسلمي الأعراب، وساق معه الهدي، وأحرم بالعمرة من «ذي الحليفة» وخرج معه من نسائه أم سلمة رضي اللَّه عنها.
ولم يكن مع رسول اللَّه - ﷺ - وصحبه غير سلاح المسافر : السيوف في القرب، فبعث عينا له من خزاعة، يخبره عن قريش، فلما أصبح قريبا من «عسفان» - موضع بين مكة والمدينة - على مرحلتين من مكة، أتاه عينه بشر بن سفيان الكعبي قائلا : يا رسول اللَّه، هذه قريش علمت بمسيرك، فخرجوا ومعهم العوذ المطافيل (النوق ذات اللبن والأولاد) أي عازمين قاصدين طول الإقامة، وقد نزلوا بذي طوى، يحلفون باللّه، لا تدخلها عليهم أبدا، وقد جمعوا لك الأحابيش (جماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة) وجمعوا لك جموعا، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت.
فأرسل رسول اللَّه - ﷺ - حينئذ عثمان بن عفان إلى قريش يبلّغهم قصد رسول اللَّه - ﷺ -، وأنه لا يريد إلا العمرة، فبلغ رسول اللَّه - ﷺ - أن عثمان قد قتل، فدعا المسلمين إلى البيعة، واجتمعوا تحت الشجرة - شجرة الرضوان، فبايعوه على القتال وألا يفروا، وتسمى بيعة الشجرة أو بيعة الرضوان، قال سلمة بن الأكوع رضي اللَّه عنه :«بايعناه وبايعه الناس على عدم الفرار، وأنه إما الفتح وإما الشهادة». فأرعب ذلك المشركين وأرسلوا داعين إلى الصلح والموادعة، وكان قد أتى رسول اللَّه - ﷺ - أن الذي بلغه من أمر عثمان كذب.
وقد أنزل اللَّه في هذه البيعة قوله سبحانه : لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.. [الفتح ٤٨/ ١٨]. وكان هذا الصلح هو الفتح، وبعد رجوعه إلى المدينة فتح اللَّه عليه خيبر، فقسمها على أهل الحديبية لم يشركهم أحد غيرهم، وكانوا ألفا وخمس مائة، منهم ثلاث مائة فارس. وهذا قول سعيد بن المسيب، والمشهور أنهم كانوا أربع عشرة مائة.


الصفحة التالية
Icon