٥ - ثم تختتم السورة الكريمة، بتسلية الرسول - ﷺ - عما أصابه من قومه، وترشده إلى العلاج الذي يعينه على مداومة الصبر، كما تحكى له أحوالهم يوم القيامة ليزداد يقينا على يقينه، وتأمره بالمواظبة على تبليغهم، بما أمره اللّه - تعالى - بتبليغه. لنستمع إلى قوله - تعالى - : فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ. وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ. وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ، يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ، ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ. إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ. يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ. نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ، فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ.
وهكذا تطوف بنا السورة الكريمة في أعماق هذا الكون، وفي أعماق النفس الإنسانية، منذ ولادتها، إلى بعثها، إلى حسابها، إلى جزائها.. وذلك كله بأسلوب مؤثر بديع، يشهد بأن هذا القرآن من عند اللّه، ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. (١)
وفي السورة توكيد للبعث الأخروي وتبشير وإنذار به، وتدليل على قدرة اللّه عليه، وحكاية لبعض مشاهده، وتنديد بالكافرين المكذبين وتنويه بالمتقين، وبيان مصير هؤلاء وأولئك في الآخرة، وفيها تذكير بمصير الأقوام السابقة المكذبين، وتسلية للنبي وتطمين له من مواقف قومه، وموضوعها عام ليس فيه مشاهد ومواقف شخصية ومعينة، وانسجام فصولها وترابطها واتساق وزنها يسوغ القول إنها من السور التي نزلت دفعة واحدة أو فصولا متلاحقة، وقد روي أن الآية [٣٨] مدنية، وأسلوبها وانسجامها مع بقية الآيات يحملان على الشك في ذلك. (٢)
سورة ق مكيّة، وهي خمس وأربعون آية.
تسميتها : سميت سورة ق تسمية لها بما افتتحت به من أحرف الهجاء، كقوله تعالى : ص، ن، الم، حم، طس قال الشعبي : ق : فاتحة السورة.
مناسبتها لما قبلها :
أخبر اللَّه تعالى في آخر سورة الحجرات المتقدمة أن أولئك الأعراب الذين قالوا : آمنا، لم يكن إيمانهم حقا، وذلك دليل على إنكار النبوة وإنكار البعث، فافتتح هذه السورة بوصف إنكار المشركين نبوة النبي - ﷺ - وإنكار البعث، ثم رد عليهم بالدليل القاطع.
ما اشتملت عليه السورة :

(١) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٣ / ٣٢٩)
(٢) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٢ / ٢٢٠)


الصفحة التالية