بما أن هذه السورة مكية بالإجماع، فموضوعها مثل موضوعات سائر السور المكية التي تعالج أصول العقيدة الإسلامية وهي التوحيد، والبعث، والنبوة والرسالة، ولكنها عنيت بالأصل الثاني وهو البعث وإثباته والرد على منكريه.
لذا ابتدأت بالكلام عن إنكار مشركي العرب وقريش أمر البعث والنشور، وأمر النبوة ورسالة محمد - ﷺ -، وتعجبهم من إرسال رسول منذر منهم، ومن إعادة الحياة بعد الممات، فأقسم اللَّه بالقرآن المجيد قائلا : ق، وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ، فَقالَ الْكافِرُونَ : هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ، أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً، ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ...
ومن أجل الاستدلال على قدرة اللَّه الباهرة على البعث وغيره، حثّت الآيات بعدئذ على التأمل في صفحة الكون، والنظر في السماء وبنائها وزينتها، وفي الأرض وجبالها وزروعها ونباتاتها وأمطارها : أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ..
الآيات.
ثم أثارت دواعي التفكر وأقامت العبر والعظات في إهلاك الأمم السابقة المكذبة بالرسل، كقوم نوح وأصحاب الرسّ وثمود وعاد وفرعون ولوط وأصحاب الأيكة قوم شعيب وقوم تبّع، تحذيرا لكفار مكة أن يصيبهم مثلما أصاب غيرهم : كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ.. الآيات.
وانتقلت الآيات للحديث عن الإنسان ومسئوليته وملازمة الملكين له لرصد أعماله وأقواله ومراقبة أحواله، وطيّ صحيفته بسكرة الموت، وتعرضه لأهوال الحشر وأهوال الحساب : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ.. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ الآيات، وأعقبت كل ذلك بضرورة العبرة والتذكر بتلك الأحداث الكبرى : إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى...
وختمت السورة الكريمة بمشاهد عظيمة، من خلق السموات والأرض وما بينهما، وسماع صيحة الحق للخروج من القبور، وتشقق الأرض عن الأموات سراعا، وتخلل ذلك أمر الرسول وأتباعه بالصبر والتسبيح آناء الليل وأطراف النهار، وعدم المبالاة بإنكار المشركين البعث وتهديدهم عليه، والتذكير بالقرآن من وعيد اللَّه وعقابه : وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ.. وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ.. نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ.. الآيات.
فضل السورة :
تقرأ هذه السورة في الأحداث الكبرى والمجامع العامة، كالجمع والعيدين، لتذكير الناس ببدء الخلق، ومظاهر الحياة، وعقوبات الدنيا، والبعث والنشور، والجنة والنار، والثواب والعقاب.