لرسلهم، وعلى أن الوظيفة التي من أجلها خلق اللّه - تعالى - الجن والإنس، إنما هي عبادته وطاعته. (١)
في السورة توكيد بالبعث والحساب، وحملة شديدة على المكذبين الجاحدين وتنويه بالمتقين وأعمالهم الصالحة ومصائرهم في الآخرة. وفصل قصصي مقتضب عن بعض الأنبياء والأمم بينه وبين موقف النبي - ﷺ - والكفار تماثل، وتطمين للنبي - ﷺ - وتثبيت له، وآياتها متساوقة متوازية مما يسوّغ القول بأنها نزلت دفعة واحدة أو متتابعة. (٢)
سورة الذاريات مكيّة، وهي ستون آية.
تسميتها : سميت (سورة الذاريات) لافتتاحها بالقسم بالذاريات، وهي الرياح التي نذر والتراب وغيره، أي تفرقه وتنقله من مكان إلى آخر. والقسم بها دليل على خطورتها، وأنها من جند اللّه تعالى.
مناسبتها لما قبلها :
تظهر مناسبة هذه السورة لما قبلها من وجهين :
١ - ختمت سورة ق بذكر البعث والجزاء والجنة والنار في قوله تعالى : ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ وافتتحت هذه السورة بالقسم بالرياح والسحب والسفن والملائكة على أن ما وعد به الناس من ذلك صادق، وأن الجزاء واقع.
٢ - ذكر في سورة ق إجمالا إهلاك الأمم المكذبة، كقوم نوح، وعاد وثمود، ولوط وشعيب، وتبّع، وفي هذه السورة تفصيل ذلك في قصص إبراهيم ولوط وموسى وهود وصالح ونوح عليهم السلام.
ما اشتملت عليه السورة :
موضوع هذه السورة كسائر السور المكية إثبات أصول العقيدة والإيمان وهي التوحيد والرسالة والبعث، ونفي أضدادها وهي الشرك، وتكذيب النبوة، وإنكار المعاد.
وقد افتتحت ببيان دلائل البعث ووقوع المعاد من عجائب الكون، بالقسم على حدوثه حتما بأربعة أمور هي الرياح المحركة للأشياء، والسحب التي تحمل الأمطار، والسفن الجارية بسهولة في البحار والأنهار الكبرى، والملائكة التي تقسّم المقدرات الربانية، وتدبّر أمر الخلق.

(١) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٤ / ٧)
(٢) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٥ / ٣٣)


الصفحة التالية
Icon