وقيل سبب نزولها قول المشركين ﴿إنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾ المحكي في سورة النحل [١٠٣]. فرد الله عليهم بأن الرحمن هو الذي علم النبي - ﷺ - القرآن.
وهي من أول السور نزولا فقد أخرج أحمد في مسنده بسند جيد عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت الرسول - ﷺ - وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يسمعون يقرأ ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾. وهذا يقتضي أنها نزلت قبل سورة الحجر. وللاختلاف فيها لم تحقق رتبتها في عداد نزول سور القرآن. وعدها الجعبري ثامنة وتسعين بناء على قول بأنها مدنية وجعلها بعد سورة الرعد وقبل سورة الإنسان.
وإذ كان الأصح إنها مكية وأنها نزلت قبل سورة الحج وقبل سورة النحل وبعد سورة الفرقان، فالوجه أن تعد ثالثة وأربعين بعد سورة الفرقان وقبل سورة فاطر.
وعد أهل المدينة ومكة آيها سبعا وسبعين، وأهل الشام والكوفة ثمانا وسبعين لأنهم عدوا الرحمن آية، وأهل البصرة ستا وسبعين.
أغراض هذه السورة
ابتدئت بالتنويه بالقرآن قال في الكشاف : أراد الله أن يقدم في عدد آلائه أول شيء ما هو أسبق قدما من ضروب آلائه وأصناف نعمائه وهي نعمة الدين فقدم من نعمة الدين ما هو أعلى مراتبها وأقصى مراقبها وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه، وأخر ذكر خلق الإنسان عن ذكره ثم أتبعه إياه ثم ذكر ما تميز به من سائر الحيوان من البيان اه.
وتبع ذلك من التنويه بالنبي - ﷺ - بأن الله هو الذي علمه القرآن ردا على مزاعم المشركين الذين ويقولون: ﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾ [النحل: ١٠٣]، وردا على مزاعمهم أن القرآن أساطير الأولين أو أنه سحر أو كلام كاهن أو شعر.
ثم التذكير بدلائل قدرة الله تعالى في ما أتقن صنعه مدمجا في ذلك التذكير بما في ذلك كله من نعم الله على الناس.
وخلق الجن وإثبات جزائهم.
والموعظة بالفناء وتخلص من ذلك إلى التذكير بيوم الحشر والجزاء. وختمت بتعظيم الله والثناء عليه.
وتخلل ذلك إدماج التنويه بشأن العدل، والأمر بتوفية أصحاب الحقوق حقوقهم، وحاجة الناس إلى رحمة الله فيما خلق لهم، ومن أهمها نعمة العلم ونعمة البيان، وما أعد من الجزاء للمجرمين ومن الثواب والكرامة للمتقين ووصف نعيم المتقين.


الصفحة التالية
Icon