ومن بديع أسلوبها افتتاحها الباهر باسمه ﴿الرحمن﴾ وهي السورة الوحيدة المفتتحة باسم من أسماء الله لم يتقدمه غيره.
ومنه التعداد في مقام الامتنان والتعظيم بقوله: ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ إذ تكرر فيها إحدى وثلاثين مرة وذلك أسلوب عربي جليل كما سنبينه. (١)
مناسبتها لما قبلها
بين سورة « الرحمن » هذه، والسورة التي قبلها « القمر » ـ أكثر من مناسبة :
فأولا : ختمت سورة « القمر » بهذه الآية :« إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ».. ومن صفات المليك المقتدر، الرحمة، لا الجبروت، شأن المالكين المقتدرين، وبهذه الرحمة التي وسعت كل شىء أرسل الرسل يدعون عباده إليه، ويطبّون للآفات والعلل التي أوردتهم موارد الضلال.. فاستجاب كثير منهم، ووجد السلامة والعافية فى هذه الرحمة المرسلة من اللّه سبحانه على يد رسله.. فكان بدء سورة « الرحمن » بهذا الاسم الكريم موصولا بختام سورة « القمر »، جاعلا منهما سورة واحدة..
وثانيا : النظم الذي جاءت عليه سورة « القمر »، يشابه النظم الذي جاءت عليه سورة « الرحمن »، من حيث تكرار بعض المقاطع مرات متعددة.. فقد كرو فى سورة « القمر » قوله تعالى :« فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ » أربع مرات، وكذلك قوله تعالى :« وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ».. كرر أربع مرات أيضا..
وفى سورة « الرحمن » كرر قوله تعالى « فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ » إحدى وثلاثين مرة!
ففى هذه المتتاليات :« فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ » ثم « وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ » ثم « فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ » ـ فى هذه المتتاليات، تدرّج من الإنذار والتخويف من عذاب اللّه، إلى عرض وسيلة النجاة من عذاب اللّه وتيسير الاتصال بها والوصول إليها، وهى القرآن الكريم. إلى مساءلة هؤلاء المدعوّين إلى كتاب اللّه، كيف يكذبون بآلاء اللّه ونعمه التي من أعظمها وأجلّها هذا الكتاب الذي يدعون إليه ؟ (٢)
مقدمة وتمهيد
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٤ / ٦٥٠)