٥ - وبعد أن ساق - سبحانه - ما ساق من ألوان النعم، أتبع ذلك ببيان أن كل من على ظهر هذه الأرض مصيره إلى الفناء، وأن الباقي هو وجه اللّه - تعالى - وحده... وببيان أهوال القيامة، وسوء عاقبة المكذبين وحسن عاقبة المؤمنين..
قال - تعالى - : يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ.
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. ذَواتا أَفْنانٍ.
٦ - ثم وصفت ما أعده اللّه - تعالى - للمتقين وصفا يشرح الصدور، ويقر العيون، فقد أعد - سبحانه - لهم بفضله وكرمه الحور العين، والفرش التي بطائنها من إستبرق.
قال - تعالى - : حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ.
وهكذا نرى السورة الكريمة تطوف بنا في آفاق هذا الكون، فتحكى لنا من بين ما تحكى - جانبا من مظاهر قدرة اللّه - تعالى - ونعمه على خلقه - وتقول في أعقاب كل نعمة (١)
في السورة تنويه بنعم اللّه ومشاهد عظمته في الكون وذاته وإشارة إلى عنايته بالإنسان. وتنديد بالمكذبين وإنذار لهم وتنويه بالمتّقين وبشرى لهم. وبيان ما سوف يلقاه الأولون في الآخرة من هول وعذاب والآخرون من نعيم ورفاه.
والسورة فريدة في أسلوبها النظمي، كما أنها عرض عام للدعوة مثل السور النازلة في وقت مبكّر كالأعلى والشمس والليل والقارعة والمرسلات.
والطابع المكي قوي البروز عليها ومعظم المفسرين يروون مكيتها عن ابن عباس وغيره (٢)
سورة الرّحمن جلّ ذكره مكيّة أو : مدنيّة، وهي ثمان وسبعون آية.
مكيتها :
سورة الرحمن : في رأي ابن مسعود ومقاتل : مدنية كلها، وقد كتب في بعض المصاحف أنها مدنية، والأصح كما ذكر القرطبي وابن كثير والجمهور أنها مكية كلها، وهو قول الحسن وعروة بن الزبير وعكرمة وعطاء وجابر. وقال ابن عباس : إلا آية منها هي قوله تعالى : يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الآية. وهي ثمان وسبعون (٧٨) آية. وعدها بعضهم (٧٦) آية.
(٢) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٦ / ٨٩)