وهي مكية كلها على الصحيح، وعدد آياتها ثمانية وسبعون آية، ولقد صح أن النبي - ﷺ - قام يصلى الصبح بنخلة، فقرأ سورة « الرحمن » ومر النفر من الجن فآمنوا به، وفي الترمذي عن جابر قال : خرج رسول اللّه - ﷺ - فقرأ عليهم سورة « الرحمن » من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال النبي :« لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن ردا منكم كنت كلما أتيت على قوله : فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ؟ قالوا : ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد ».
وروى عن على - رضى اللّه عنه - أن رسول اللّه - ﷺ - قال :« لكل شيء عروس، وعروس القرآن سورة الرحمن ».
وتشتمل هذه السورة على ذكر النعم مبتدئة بذكر القرآن الذي هو أكبر نعمة على الإنسان، ثم بذكر النعم الكونية في السماء والأرض، ثم خلق الإنسان والجان، ثم صفة يوم القيامة، ثم صفة أهل النار، ثم ختم السورة ببيان الجنة وما فيها من نعيم أعد للسابقين وأصحاب اليمين. (١)
سورة الرّحمن وسميت في حديث أخرجه البيهقي عن علي كرم اللّه تعالى وجهه مرفوعا «عروس القرآن» ورواه موسى بن جعفر رضي اللّه تعالى عنهما عن آبائه الأطهار كذلك
«وهي مكية» في قول الجمهور، وأخرج ذلك ابن مردويه عن عبد اللّه بن الزبير وعائشة رضي اللّه تعالى عنهم وابن النحاس عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما، وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه أنها نزلت بالمدينة، وحكي ذلك عن مقاتل، وحكاه في البحر عن ابن مسعود أيضا، وحكي أيضا قولا آخر عن ابن عباس وهو أنها مدنية سوى قوله تعالى : يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الرحمن : ٢٩] الآية، وحكي الاستثناء المذكور في جمال القراء عن بعضهم ولم يعينه، وعدد آياتها ثمان وسبعون آية في الكوفي والشامي، وسبع وسبعون في الحجازي، وست وسبعون في البصري.
ووجه مناسبتها لما قبلها على ما قال الجلال السيوطي : أنه لما قال سبحانه في آخر ما قيل بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ [القمر : ٤٦] ثم وصف عز وجل حال المجرمين فِي سَقَرَ [القمر : ٤٨] وحال المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ [القمر : ٥٤] فصل هذا الإجمال في هذه السورة أتم تفصيل على الترتيب الوارد في الإجمال فبدأ بوصف مرارة الساعة، والإشارة إلى شدّتها، ثم وصف النار وأهلها، ولذا قال سبحانه : يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ [الرحمن : ٤١] ولم يقل الكافرون، أو نحوه لاتصاله معنى بقوله تعالى هناك : إِنَّ الْمُجْرِمِينَ [القمر :